من آسيا الوسطى كأحد أهم المناطق التي انفتحت أمام مختلف القوى الدولية
والإقليمية بتفكك الاتحاد السوفيتي، ونتناول في هذا المقال منطقة القوقاز
وأدوار تركيا وإيران وروسيا وأوربا والولايات المتحدة فيها، باعتبارها
جزءاً هاماً مما يُسمّى بالكُتلة الأوربية الآسيوية أو الأوروآسيوية.
تكمن
أهمية القوقاز في موقعها الجغرافي بين تركيا وإيران وروسيا، وبين أوربا
الشرقية وآسيا الوسطى والشرق الأوسط بشكل أوسع. فهي تقع بين بحر قزوين في
آسيا الوسطى والذي تمثل روسيا وإيران القوتين الأهم فيه، والبحر الأسود في
شرق أوربا والذي تمثل روسيا وتركيا القوتين الأهم فيه. وتُعتَبَر القوقاز
تاريخياً محلاً للتنافس بين القوى الثلاث التركية والفارسية والروسية، فهي
مكونة من العنصر الآذري الذي ينتمي للعرق التركي ويتحدث لغة قريبة للتركية
ولكنه يدين بالمذهب الشيعي في أغلبه ويشارك إيران تاريخها وثقافتها بشكل
كبير، والعنصر الأرمني الذي ينتمي للمسيحية المشرقية التي تنتمي لها
الكنيستان السريانية والقبطية، والعنصر الجيورجي أو الكُرجي الذي ينتمي
للمسيحية الشرقية التي تدين بها روسيا.
بعد الحرب البادرة
ظهر صراعان بشكل أساسي؛ صراع بين روسيا وكُرجيا، إذ اقتربت الأخيرة من
الولايات المتحدة وأوربا وبدأت الحوار مع الناتو للانضمام له، وهو ما يثير
حفيظة روسيا التي لا تستسيغ وجود عضو في حلف الناتو على حدودها الجنوبية
خصوصاً في منطقة قريبة من الشيشان وطاغستان اللتان تؤرقان موسكو، وقد اشتد
الصراع بين البلدين في 2008 حين ضربت روسيا كُرجيا في جمهوريتي أبخازيا
وأوسيتيا الجنوبية واعترفت بهما مستقلتين عن كُرجيا. أما الصراع الثاني
فهو بين آذربيجان وأرمنيه بالأساس، إذ أصبحت الأولى، بحكم الصلات العرقية
واللغوية قريبة لتركيا ولحلف الناتو تباعاً، وأصبحت الأخيرة بحكم عُزلتها
الجغرافية بين كُرجيا وآذربيجان، قريبة إلى روسيا وإيران، خصوصاً في ظل
صراع تاريخي مع تركيا حول الأقلية الأرمنية الموجودة فيها وحقوق الأرمن
التاريخية في تركيا مثل الاعتراف بإبادة الأرمن التي تمت في العقد الثاني
من القرن العشرين، ويتمثل الصراع بالأساس على منطقة ناكورنوقره باغ
(Nagorno Qarabagh) التي تدعي آذربيجان ملكيتها في حين تسيطر عليها أرمنيه
بحجة أن أغلب قاطنيها من الأرمن.
وتُعتَبَر تركيا إيران في المنطقة
متنافستين، فإيران تقف بالقرب من روسيا الداعمة لأرمنيه في مواجهة
آذربيجان التي تدعمها تركيا، خصوصاً وآذربيجان هى امتداد لمحافظتي
آذربيجان الشرقية والغربية داخل إيران، وهو ما يدفع البعض لاعتبارها جزءاً
من الثقافة الإيرانية لا التركية، إلا أن النظام الآذري يعتبر أن آذربيجان
الإيرانية امتداداً له. بالإضافة إلى ذلك، يتخذ النظام في آذربيجان من
علمانية أتاتورك نهجاً لحكم البلاد وهو ما يدفعه إلى معاداة سياسات تصدير
الثورة الإسلامية التي تنتهجها إيران مع القوى الإسلامية داخل آذربيجان
مستغلة الأرضية الشيعية المشتركة.
أما على المستوى الدولي،
فإن كُرجيا وآذربيجان هما محور سياسة أوربا والولايات المتحدة والتي تدور
حول دمجهما في المنظومة الاقتصادية الغربية والمنظومة العسكرية لحلف
الناتو، وهي محاولة لتطويق العُمق الاستراتيجي الروسي وتوسيع دائرة
التحالف الأوربي لتدخل إلى غرب آسيا، وهو ما يأتي متسقاً مع الرؤية
التركية التي ترى في جذب القوقاز إلى المدار الأوربي بعيداً عن روسيا
تعزيزاً لأهميتها، إذ لا يمكن أن تنجح تلك المحاولات إلا عن طريق تركيا
كرابط بديل بين آسيا وأوربا.
تُعتَبر تركيا محورية لجهود
أوربا الرامية إلى كسر احتكار روسيا لتصدير الغاز إليها، وهي محاولة تتجسد
في مشروع باكو-تفلس-جيهان، وهي ثلاثة مدن آذرية وكُرجية وتركية بالترتيب،
من المُنتظر أن تحمل غاز تركمنستان وآذربيجان إلى أوربا مباشرة، أو ربما
إلى الشرق الأوسط، فآذربيجان تُعتَبر من أهم مصدري الغاز إلى إسرائيل. على
الناحية الأخرى تمثل إيران ضلعاً ثالثاً موازناً لروسيا وتركيا ومن خلفها
أوربا، وتميل روسيا وإيران إلى بعضهما في القوقاز باعتبارهما أضعف نسبياً
من الغرب، وفي حاجة إلى التنسيق لتحقيق أكبر قدر من المصالح المشتركة.
في
المُجمَل، كُرجيا وآذربيجان اللتان تشاركان روسيا كل حدودها القوقازية هما
حجر الأساس في تدعيم السياسات التركية والأوربية والأمريكية في المنطقة،
في حين أرمنيه المحاصرة من كليهما ومن تركيا، تجد في شريط حدودي ضيق مع
إيران منفذاً بعيداً عنهما يقربها إلى روسيا
والإقليمية بتفكك الاتحاد السوفيتي، ونتناول في هذا المقال منطقة القوقاز
وأدوار تركيا وإيران وروسيا وأوربا والولايات المتحدة فيها، باعتبارها
جزءاً هاماً مما يُسمّى بالكُتلة الأوربية الآسيوية أو الأوروآسيوية.
تكمن
أهمية القوقاز في موقعها الجغرافي بين تركيا وإيران وروسيا، وبين أوربا
الشرقية وآسيا الوسطى والشرق الأوسط بشكل أوسع. فهي تقع بين بحر قزوين في
آسيا الوسطى والذي تمثل روسيا وإيران القوتين الأهم فيه، والبحر الأسود في
شرق أوربا والذي تمثل روسيا وتركيا القوتين الأهم فيه. وتُعتَبَر القوقاز
تاريخياً محلاً للتنافس بين القوى الثلاث التركية والفارسية والروسية، فهي
مكونة من العنصر الآذري الذي ينتمي للعرق التركي ويتحدث لغة قريبة للتركية
ولكنه يدين بالمذهب الشيعي في أغلبه ويشارك إيران تاريخها وثقافتها بشكل
كبير، والعنصر الأرمني الذي ينتمي للمسيحية المشرقية التي تنتمي لها
الكنيستان السريانية والقبطية، والعنصر الجيورجي أو الكُرجي الذي ينتمي
للمسيحية الشرقية التي تدين بها روسيا.
بعد الحرب البادرة
ظهر صراعان بشكل أساسي؛ صراع بين روسيا وكُرجيا، إذ اقتربت الأخيرة من
الولايات المتحدة وأوربا وبدأت الحوار مع الناتو للانضمام له، وهو ما يثير
حفيظة روسيا التي لا تستسيغ وجود عضو في حلف الناتو على حدودها الجنوبية
خصوصاً في منطقة قريبة من الشيشان وطاغستان اللتان تؤرقان موسكو، وقد اشتد
الصراع بين البلدين في 2008 حين ضربت روسيا كُرجيا في جمهوريتي أبخازيا
وأوسيتيا الجنوبية واعترفت بهما مستقلتين عن كُرجيا. أما الصراع الثاني
فهو بين آذربيجان وأرمنيه بالأساس، إذ أصبحت الأولى، بحكم الصلات العرقية
واللغوية قريبة لتركيا ولحلف الناتو تباعاً، وأصبحت الأخيرة بحكم عُزلتها
الجغرافية بين كُرجيا وآذربيجان، قريبة إلى روسيا وإيران، خصوصاً في ظل
صراع تاريخي مع تركيا حول الأقلية الأرمنية الموجودة فيها وحقوق الأرمن
التاريخية في تركيا مثل الاعتراف بإبادة الأرمن التي تمت في العقد الثاني
من القرن العشرين، ويتمثل الصراع بالأساس على منطقة ناكورنوقره باغ
(Nagorno Qarabagh) التي تدعي آذربيجان ملكيتها في حين تسيطر عليها أرمنيه
بحجة أن أغلب قاطنيها من الأرمن.
وتُعتَبَر تركيا إيران في المنطقة
متنافستين، فإيران تقف بالقرب من روسيا الداعمة لأرمنيه في مواجهة
آذربيجان التي تدعمها تركيا، خصوصاً وآذربيجان هى امتداد لمحافظتي
آذربيجان الشرقية والغربية داخل إيران، وهو ما يدفع البعض لاعتبارها جزءاً
من الثقافة الإيرانية لا التركية، إلا أن النظام الآذري يعتبر أن آذربيجان
الإيرانية امتداداً له. بالإضافة إلى ذلك، يتخذ النظام في آذربيجان من
علمانية أتاتورك نهجاً لحكم البلاد وهو ما يدفعه إلى معاداة سياسات تصدير
الثورة الإسلامية التي تنتهجها إيران مع القوى الإسلامية داخل آذربيجان
مستغلة الأرضية الشيعية المشتركة.
أما على المستوى الدولي،
فإن كُرجيا وآذربيجان هما محور سياسة أوربا والولايات المتحدة والتي تدور
حول دمجهما في المنظومة الاقتصادية الغربية والمنظومة العسكرية لحلف
الناتو، وهي محاولة لتطويق العُمق الاستراتيجي الروسي وتوسيع دائرة
التحالف الأوربي لتدخل إلى غرب آسيا، وهو ما يأتي متسقاً مع الرؤية
التركية التي ترى في جذب القوقاز إلى المدار الأوربي بعيداً عن روسيا
تعزيزاً لأهميتها، إذ لا يمكن أن تنجح تلك المحاولات إلا عن طريق تركيا
كرابط بديل بين آسيا وأوربا.
تُعتَبر تركيا محورية لجهود
أوربا الرامية إلى كسر احتكار روسيا لتصدير الغاز إليها، وهي محاولة تتجسد
في مشروع باكو-تفلس-جيهان، وهي ثلاثة مدن آذرية وكُرجية وتركية بالترتيب،
من المُنتظر أن تحمل غاز تركمنستان وآذربيجان إلى أوربا مباشرة، أو ربما
إلى الشرق الأوسط، فآذربيجان تُعتَبر من أهم مصدري الغاز إلى إسرائيل. على
الناحية الأخرى تمثل إيران ضلعاً ثالثاً موازناً لروسيا وتركيا ومن خلفها
أوربا، وتميل روسيا وإيران إلى بعضهما في القوقاز باعتبارهما أضعف نسبياً
من الغرب، وفي حاجة إلى التنسيق لتحقيق أكبر قدر من المصالح المشتركة.
في
المُجمَل، كُرجيا وآذربيجان اللتان تشاركان روسيا كل حدودها القوقازية هما
حجر الأساس في تدعيم السياسات التركية والأوربية والأمريكية في المنطقة،
في حين أرمنيه المحاصرة من كليهما ومن تركيا، تجد في شريط حدودي ضيق مع
إيران منفذاً بعيداً عنهما يقربها إلى روسيا