فضائل وأداب العشر الأواخر من رمضان
كتب: الدكتور عبدالله سمك - ها هو شهر رمضان قد أوشك على الوداع، فقد انفرط عقده، ومضت أيامه، وانقضت لياليه، وهكذا تكون الأيام المباركة والليالي الجميلة، سرعان منا تذهب، لكن القلوب لا تزال ترى في العشر الأواخر مسكناً تؤدى إليه، وزمناً تحاسب فيها نفسها، وتصطلح مع ربها، وتدرك ما فاتها.
فإلى أصحاب القلوب السليمة، والفطر المستقيمة، لا يزال في شهر رمضان فرصة للطاعة، ومناسبة للعفو والمغفرة، ووقتاً غالياً للاجتهاد في العبادة، والتماساً لليلة القدر، وجمعاً للقلب على الله تعالى، لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت عنه في حديث عائشة: (كان النبي إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله)، ومعنى الحديث: أن رسول الله كان في العشر الأواخر من رمضان:
1 ـ يشد المئزر (ما يلبس من الثياب أسفل البدن) ويدل هذا على اعتزال النساء والبعد عن الاستمتاع بهن في هذا الوقت، ويحتمل أن يريد به الجد في العبادة والتشمير في الطاعة، ويُحتمل المعنيان معاً أي الاعتزال للنساء والتشمير في العبادة.
2 ـ وأحيا ليله بالسهر وعدم النوم في ليالي العشر الأواخر، فهو في سياحة ربانية وفيوضات إلهية حيث يخلو الحبيب بحبيبه، يدعوه ويناجيه، يذكره ويناديه، يقبل عليه ويعرض عما سواه.
3 ـ وأيقظ أهله للصلاة، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم إذا بقي من رمضان عشرة أيام يترك أحداً من أهله يطيق القيام إلا أقامه وهذا من حرصه صلى الله عليه وسلم، فالاجتهاد في آخر رمضان تدارك لما فات، واغتنام لما هو آت، لقرب خروج وقت العبادة، وانتهاء شهر القرآن، فكان الاجتهاد مطلوباً، وإيقاظ الأهل مرغوباً، لأن الأعمال بالخواتيم نسأل الله أن يجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاه فيه.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده، وفيما يلي بيان لتلك السنة المباركة.
أولاً: مفهوم الاعتكــاف:
لغة: لزوم الشيء وحبس النفس عليه والمكث والاستقامة.
شرعاً: لزوم المسجد والإقامة فيه بشروط خاصة من شخص مخصوص.
ثانياً: حكمـــه:
الاعتكاف سنة مؤكدة واظب عليها وداوم عليها رسول الله وأزواجه من بعده. ولا يجب الاعتكاف إلا بنذر.
ثالثاً: وقتــه:
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه، أي يخلو بنفسه في المكان الذي أعده للاعتكاف بعد صلاة الصبح، والاعتكاف حسب ما تيسر للإنسان، فيجوز أن يعتكف يوماً أو ليلة أو ساعة، فقد نذر عمر في الجاهلية أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام فسأل النبي فقال له: أوفي بنذرك.
رابعاً: شروطـــه:
لا اعتكاف إلا في مسجد بنية الاعتكاف، واشترط البعض الصيام، والخلاف فيه بكي{، لكن مادمنا نتحدث عن العشر الأواخر من رمضان فالشرط فيه ظاهر.
خامساً: من السنة على المعتكف أن لا يزور مريضاً ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لابد منه.
سادساً: الشخص الذي يعتكف يشترط فيه ما يلي: الإسلام والتميز والعقل والطهارة من الحيض والنفاس والجنابة من غير جماع فلا يصح الاعتكاف من كافر أوص بي غير مميز أو مجنون أو من الحائض والنفساء ولا يصح لجنب المكث في المسجد حتى يتطهر ثم يعود.
سابعاً: مفسدات الاعتكاف:
1 ـ الجماع ولو بدون إنزال، ويحرم على المعتكف دواعي الجماع من تقبيل ونحوه فإن أنزل فسد اعتكافه.
2 ـ خروج المعتكف من المسجد من غير عذر والأعذار ثلاثة:
أ ـ أعذار طبيعية: كالبول والغائط والجنابة بالاحتلام وشراء طعام وشراب.
ب ـ أعذار شرعية: كالخروج لصلاة الجمعة إذا كان المسجد لا تقام فيه صلاة الجمعة.
جـ ـ أعذار ضرورية: كالخوف على نفسه أو متاعه، أو انهدام حيطان المسجد ونحوه.
3 ـ الحيض والنفاس.
4 ـ الردة وسب الدين.
5 ـ تعاطي المسكرات والمخدرات التي تذهب العقل.
6 ـ الجنون والإغماء المستمر.
ثامناً: مكروهات الاعتكاف:
1 ـ أن لا يأخذ القادر معه في المسجد ما يكفيه من أكل أو شرب أو لباس.
2 ـ الاشتغال بأمور الدنيا وعدم اشتغاله برياضة النفس والصلاة والذكر والاستغفار.
3 ـ الصمت إن ظن أن هذا قربة.
4 ـ الاشتغال بتعلم العلم أو تعليمه لأن الأصل في الاعتكاف أنه عزلة.
5 ـ عيادة المريض وتشييع الجنازة ونحوهما.
6 ـ الاعتكاف من ليس عنده ما يكفيه من طعام ونحوه وتعرضه لسؤال الناس بما يسبب له حرجاً.
تاسعاً: آداب الاعتكــاف:
1 ـ المكث بمواخر المسجد ورفع الحرج عن المصلين.
2 ـ إيقاعه في العشر الأواخر من رمضان.
3 ـ أن لا يتكلم إلا بخير، وأن يجتنب مالا يعنيه.
4 ـ أني ختار أفضل المسجد.
5 ـ أن يلازم التلاوة والطاعة والعبادة ورياضة النفس وتهذيب الروح.
رزقنا الله القبول وشفاعة الرسول..