ياقــدس إن طــالــت بنــا فــرقـــة ،،،، فــســيــفنا ياقـــدس لــن يــغــمــدا
أيها الجاثمون فوق ترابي
أيها الشاربون نخب الرقاب
أيها العابثون في كل واد
أيها الساكنون عرش السراب
أيها السارقون فجر بلادي
لن أداجي لن أداجي
لن أداجي ولن يطول جوابي
لن أداجي لن أداجي
لن أداجي ولن يطول جوابي
هدّموا بيتي
حرقوا كبدي صادروا أرضي
وارتعوا في شعابي
هدف هذا الموضوع هو التعريف بالمسجد الاقصى المبارك، وتصحيح المفاهيم بشأنه
حقائق في سطور
مقدمة
هدف هذا الموضوع هو التعريف بالمسجد الأقصى المبارك، وتصحيح المفاهيم
بشأنه. فإذا تعرفنا عليه حقيقة، سنتعلق به، وإذا تعلقنا به، هان كل شيء في
سبيل تحريره. ونهجنا في هذا نهج محمد صلى الله عليه وسلم الذي ارتبط
بالأقصى، زيارة، وإعمارا (مثلما ارتبط به الأنبياء قبله)، بل، وتوصية
للمسلمين بعده بتحريره، لأنه مسجدهم، وحقهم أن يعمروه. فالمساجد لا يعمرها
إلا المؤمنون.
1. التعريف:
المسجد الأقصى المبارك هو اسم لكل ما دار حوله السور الواقع في أقصى
الزاوية الجنوبية الشرقية من مدينة القدس القديمة المسورة بدورها، ويشمل
كلا من قبة الصخرة المشرفة، (ذات القبة الذهبية) والموجودة في موقع القلب
بالنسبة للمسجد الأقصى، والمصلى القِبْلِي، (ذي القبة الرصاصية السوداء)،
والواقع أقصى جنوب المسجد الأقصى، ناحية (القِبلة)، فضلا عن نحو 200 معلم
آخر، ما بين مساجد، ومبان، وقباب، و أسبلة مياه، ومصاطب، وأروقة، ومدارس،
وأشجار، ومحاريب، ومنابر، ومآذن، وأبواب، وآبار، ومكتبات.
المسجد الأقصى المبارك
2. المساحة:
تبلغ مساحة المسجد الأقصى حوالي 144 دونماً (الدونم = 1000 متر مربع)،
ويحتل نحو سدس مساحة القدس المسورة، وهو على شكل مضلع غير منتظم، طول ضلعه
الغربي 491م، والشرقي 462م، والشمالي 310م، و الجنوبي 281م . وهذه الحدود
لم تدخلها زيادة أو نقصان منذ وضع المسجد أول مرة كمكان للصلاة، بخلاف
حدود المسجدين الحرام والنبوي الذين تم توسيعهما عدة مرات. ومن دخل حدود
الأقصى، فأدى الصلاة، سواء تحت شجرة من أشجاره، أو قبة من قبابه، أو فوق
مصطبة، أو عند رواق، أو في داخل قبة الصخرة، أو المصلى القبلي، فهو كمن
أدى خمسمائة صلاة فيما سواه عدا المسجد الحرام والمسجد النبوي.
3. البناء:
ثاني مسجد وضع في الأرض، بنص الحديث الشريف، والأرجح أن أول من بناه هو
آدم عليه السلام، اختط حدوده بعد أربعين سنة من إرسائه قواعد البيت
الحرام، بأمر من الله تعالى، دون أن يكون قبلهما كنيس ولا كنيسة ولا هيكل
ولا معبد. وجاءت هجرة إبراهيم عليه السلام من العراق إلى الأراضي المباركة
حوالي العام 1800 قبل الميلاد. وبعدها، قام عليه السلام برفع قواعد البيت
الحرام، و عمر هو، ومن بعده إسحاق ويعقوب عليهم الصلاة والسلام أجمعين،
المسجد الأقصى. كما أعيد بناؤه على يد سليمان عليه السلام حوالي العام
1000 قبل الميلاد. ومع الفتح الإسلامي للقدس عام 636م (الموافق 15 هجرية)،
بنى عمر بن الخطاب رضي الله عنه المصلى القبلي، كجزء من المسجد الأقصى.
وفي عهد الدولة الأموية، بنيت قبة الصخرة، كما أعيد بناء المصلى القبلي،
واستغرق هذا البناء قرابة 30 عاما من 66 هجرية/ 685 ميلادية - 96
هجرية/715 ميلادية، ليكتمل بعدها المسجد الأقصى بشكله الحالي.
قبة الصخرة
كلاهما جزء من المسجد الأقصى المبارك
4. من فضائله:
· المسجد الأقصى هو قبلة الأنبياء قبل خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم،
والقبلة الأولى للنبي الخاتم، لمدة 14 عاما تقريبا منذ بعثته وحتى الشهر
السابع عشر للهجرة.
· الأقصى هو مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ورد في الآية الكريمة
باسمه الصريح، "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد
الأقصى الذي باركنا حوله" (الإسراء-1). وفيه صلى جميع الأنبياء جماعة خلف
إمامهم محمد صلى الله عليه وسلم خلال هذه الرحلة، لتكثر بركاته حتى إنها
لتفيض حوله.
· الأقصى هو مبدأ معراج محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء، فقد كان الله
تعالى قادرا على أن يبدأ رحلة المعراج برسوله من المسجد الحرام بمكة،
ولكنه سبحانه اختار الأقصى لذلك ليثبت مكانته في قلوب المسلمين، كبوابة
الأرض إلى السماء، أرض المنشر والمحشر.
· هو ثالث المساجد التي لا تشد الرحال إلا إليها، إلا أنه ليس بحرم، لأنه
لا يحرم فيه الصيد، وتلتقط لقطته، بخلاف حرمي مكة والمدينة. وتسميته
بالحرم الشريف ليست صحيحة، وإنما الاسم الصحيح هو "المسجد الأقصى
المبارك"، وهو الاسم الذي ظل يطلق عليه طوال العهد الإسلامي حتى الفترة
المملوكية، عندما بدءوا يطلقون عليه حرما، على سبيل التشريف، رغم أنها
تسمية غير صحيحة، ولا جائزة .
5. وضعه الحالي:
رغم أن الشؤون الإدارية والمالية للمسجد الأقصى المبارك تدار من قبل دائرة
الأوقاف الإسلامية التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية
الأردنية، إلا أنه محاصر، ومداخله واقعة تحت سيطرة الاحتلال الصهيوني الذي
بدأ للقدس القديمة منذ عام 1967م. وتدعم حكومة الاحتلال، ولو بصورة غير
معلنة، المزاعم الصهيونية بأن الأقصى قائم فوق أنقاض ما يعرف بالهيكل،
وأنه لا معنى لدولة الاحتلال بدون القدس، ولا معنى للقدس بدون"الهيكل"، بن
جوريون- أول رئيس وزراء لدولة الاحتلال الصهيوني.
فالمسجد الأقصى في خطر ... حيث اقتطع جزء من حيطانه هو حائط البراق، وسمى
زورا بحائط المبكى، ومنع المسلمون من الاقتراب منه، كما تعرض المسجد
الأقصى لمحاولات عدة لإحراقه، وتفجيره، وتخريبه، فضلا عن الحفريات
والأنفاق التي تشق تحت أساساته، ما أدى إلى تصدع أجزاء منه، وكذلك، يتم
تقييد حرية المسلمين في الوصول إلى الأقصى للصلاة فيه، وإعماره، أو
ترميمه، فيما يتعرض لعمليات اقتحام متكررة من جانب جنود الاحتلال،
والمتطرفين الصهاينة.
مدينة القدس القديمة المسورة
المحتلة
المسجد الأقصى حق المسلمين، لأنهم ورثة الرسالات السماوية السابقة، وهو
رمز اصطفاء الله تعالى لرسالة الإسلام كخاتمة للرسالات السماوية تصدقها،
وتهيمن عليها. فالمسلمون يؤمنون بجميع الأنبياء السابقين، ويعتبرون
تبجيلهم وتوقيرهم ركنا من أركان دينهم، ومن ثم، فإنهم الأقدر على حماية
هذا المكان المقدس لدى الكثيرين. ولن يسود السلام إلا بعودة الحق لأهله.
ويبقى الأمل .. لأن هذا المكان بقى، وسيبقى، على الرغم من المحن التي عصفت
وتعصف بالمسلمين، حصن الدين، ومعقل الإيمان إلى قيام الساعة، فلا تزال
طائفة منهم على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي
وعد الله.
{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا
اللَّهَ} (التوبة:18)
تحت سقف من القماش.. مازالت الشيخوخة صامدة..
فلسطين أمي.. تنحني الهامات ولكن تبقى خيمتي شامخة..
لم تنكسر رغم العواصف والرعود..
الكهولة تشهد موت الضمير..
حتى هذه اللحظة العالم يغمض عينيه..
ولكن أشجار الزيتون راسخة في أرضها لا تلين
المصلى المرواني ... في وجه العاصفة !
بدايةً لا بدّ أن نعرف أن المصلّى المرواني هو جزءٌ لا يتجزّأ من المسجد
الأقصى المبارك .. فنظرة سريعة إلى التعريف الشامل للمسجد الأقصى تدلّنا
على هذا الأمر .
فالمسجد الأقصى هو الاسم الإسلامي للمعبد العتيق في أرضِ فلسطين ، فهو
مسجد قديم قدم البشرية ، بُنِيَ بعد المسجد الحرام بأربعين سنة ، و عاش في
أكنافه معظم الأنبياء و المرسلين ، و المسجد الأقصى عند العلماء و
المؤرّخين هو كلّ ما هو داخل السور الكبير ذي الأبواب ، و شكل المسجد مضلع
ذو أضلاعٍ أربعة غير منتظمة و تبلغ مساحته 144 دونماً ، سمي بهذا الاسم
لقوله تعالى : (سبحان الذين أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد
الأقصى الذي باركنا حوله لنيره من آياتنا إنه هو السميع البصير) .
و هو أولى القبلتين فبعد فرض الصلاة مكث المسلمون يتجّهون صوبه نحو سبعة
عشر شهراً ، و هو ثاني المسجدين بناءاً بعد المسجد الحرام لما رواه أبو
ذرّ الغفاري ، و هو ثالث الحرمين بعد المسجد الحرام و المسجد النبوي ، إذ
تشدّ الرحال إليه ، كما روي عن الرسول r : "لا تشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة
مساجد إلى المسجد الحرام و إلى المسجد الأقصى و إلى مسجدي هذا" .
فالمصلّى المرواني بهذا التعريف الشامل للمسجد الأقصى يعتبر جزءاً لا يتجزّأ من المسجد الأقصى المبارك .
ما هو المصلى المرواني ؟
يقع المصلى المرواني أسفل الجهة الجنوبية الشرقية من المسجد الأقصى ، و
كان يُطلق عليه قديماً اسم التسوية الشرقية من المسجد الأقصى نسبة إلى
التسوية المعمارية التي بناها الأمويّون في ذلك الموقع ليتسنّى لهم بناء
المسجد الأقصى على أرضية مستوية و أساسات متينة ، حيث قاموا ببناء تلك
الأروقة الحجرية القائمة على دعامات حجرية قوية و التي شكّلت هذه القطاعات
الضخمة التي نراها اليوم كما أثبت أهل الآثار .
و يتكوّن المصلّى المرواني من ستة عشر رواقاً ، و تبلغ مساحته نحو 4000
مترٍ مربع ، و خصّص في زمن عبد الملك بن مروان كمدرسة فقهية و من هنا
اكتسبت اسم المصلّى المرواني .
و في أثناء الاحتلال الصليبي لبيت المقدس استعمله الصليبيون اسطبلاً
لخيولهم و مخزناً للذخيرة و أطلقوا عليه اسم اسطبلات سليمان ، و أعاد صلاح
الدين الأيوبي فتحه للصلاة بعد تحرير بيت المقدس .
و بالنسبة للسقف الحالي للمصلّى فإنه يعود إلى عهد السلطان العثماني
سليمان القانوني ، أما الأعمدة و الأقواس الموجودة في المصلى فإنها تعود
إلى عهد عبد الملك بن مروان .
و نسب الصليبيون اسم اسطبلات لسليمان اعتقاداً منهم أن الموقع يعود لفترة
النبي سليمان عليه السلام ، و من هنا يعتقد كثيرٌ من الناس أن هذا المكان
من بناء سيّدنا سليمان عليه السلام ، و هذا من التلبيس و الدسّ الذي
يستعمله اليهود ، حتى تُنسَب لهم فيما بعد ، لتكون شاهداً على وجودهم على
هذه البقعة منذ الأزل ، و قد أُغلق المصلّى المرواني لسنوات طويلة ، لعدة
عوامل أهمّها اتساع المكان العلويّ ، و قلة عدد شادّي الرحال إليه ، إلاّ
أن صعود التيار الإسلامي ساهم في مضاعفة عدد المصلّين و تعميق الوعي
الإسلامي بمعاني شدّ الرحال ، حيث لم تعدْ الظروف داخل المسجد الأقصى تكفي
لاستيعاب الكمّ الهائل من المصلّين ، مما أوجب ضرورة إعادة افتتاحه و
تحويله إلى مصلّى و أطلقوا عليه اسم المصلّى المرواني ، نسبة إلى مؤسسه
الحقيقي .
ترميمٌ و تعجيلٌ بافتتاح المرواني
في مطلع التسعينات أطلقت الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني و رئيسها
الشيخ رائد صلاح مبادرة لإصلاح و ترميم المصلّى و نفّذ العمل على مراحل عن
طريق مؤسسة الأقصى لإعمار المقدّسات الإسلامية و تحت إشراف هيئة الأوقاف و
لجنة الإعمار في المسجد الأقصى المبارك ، و كانت المرحلة الأولى هي تبليط
و تجهيز المصلّى للصلاة ، وقد بُدِئ العمل فيه في شهر 7/ 1996م لينتهي في
شهر 11/96 ، ليفتتح مباشرة للصلاة أمام جموع المسلمين ، و قد شارك في
العمل آلاف من الشباب المتطوّعين الذين قدِموا من الجليل و المثلث و النقب
، حيث هُيّئت أرضيّته و بُلّطت الأرضية بالرخام اللائق ، و تمت إنارته
بالكهرباء ، و ما مساحته ما يقارب 4000 متر لاستقبال المصلّين ، و صُمّم
له محرابٌ خشبيّ جميل و فُرش بالسجاد و تم الانتهاء من تجهيزه في فترة
زمنية قصيرة جداً ، فقد قدّرت المدة المطلوبة لتجهيز المصلّى بحوالي
العامين ، ليتم تنفيذ العمل في مدة أربعة أشهر بعد تيسيرات المولى عز و
جلّ ، الأمر الذي أذهل السلطات الصهيونية ، حيث قامت بحملة إعلامية ضخمة
ضد العمل .
أما المرحلة الثانية فتمّ خلالها تبليط سطح المصلّى العلوي ، ففي عام 97 -
98 باشرت مؤسسة الأقصى ترميم المسطّح العلوي للمصلّى المرواني لمنع تسرّب
المياه إليه ، و تم تبليط 7000 متر مربع ، و قام بتنفيذ الأعمال آلاف
العاملين من المسلمين و أبناء الصحوة المباركة في الداخل الفلسطيني .
و بعد فترة من الزمن ، و بعد أن بات اليهود يتحدّثون بصورة عملية عن
الاستيلاء على المصلّى المرواني ، و بالأخص بعدما أقاموا مدرّجاً من جهة
الجنوب مقابل الباب الثلاثي المغلق منذ مئات السنين و لكنه يدخل إلى
المصلّى المرواني , إشارة منهم إلى أنهم سيحوّلون هذا المصلّى إلى كنيسٍ
لهم , في ظلّ هذه الظروف باشر أعضاء مؤسسة الأقصى بإشراف هيئة الأوقاف و
لجنة الإعمار في المسجد الأقصى فتح بوابتين عملاقتين من الجهة الشمالية
للمصلّى المرواني كانتا قد أغلقتا منذ زمن قديم (بعد الزلزال الذي أصاب
المسجد الأقصى و دمّر كثيراً من أجزائه اضطر المسلمون إلى إغلاق الأبواب و
وضع مخلّفات الزلزال من التراب و الحجارة عليها مما أدّى إلى دفنها و
إخفائها) .
بدأ أعضاء المؤسّسة مشروعهم الجبّار فعملوا ليل نهار على استباق الحدث و
إحداث ردّ عمليّ حقيقي لنجدة المصلّى المرواني من أطماع المتطرفين اليهود
, و كان هذا الأمر و الحمد لله ربّ العالمين , و استمرّ العمل بعد ذلك و
تمّ بناء درَجٍ كبير يؤدّي إلى هذه البوابات (انتهى العمل فيه في شهر
5/2000) ، كما و تمّ تبليط العديد من الساحات الشرقية المؤدّية إلى درَج و
أبواب المصلّى المرواني الجديدة ، لتصبح المساحة المبلّطة ما يقارب من
5000 متر مربع ، و تم كذلك بناء جدارٍ صخريّ لمنع انهيار التراب ، و كذلك
إنشاء و بناء مضخّة مياهٍ تضخّ مياه الأمطار التي تتجمّع أمام البوابات ،
و تم تركيب خط إطفائية ، و خط أنابيب مياه يصل إلى بوابات المرواني
الجديدة ، حيث تم بناء سبل مياه للشرب ، و تم العمل لإزالة أكوام التراب
من الناحية الشرقية المحاذية للبوابات .
و في (4/12/1999) تمّ فتح البوابات العملاقة للمصلّى المرواني ، ليستوعب
أكثر من ستة آلاف مصلٍ داخل المصلّى المرواني و مثلهم على سطحه العلوي .
أطماع يهودية جديدة - قديمة بالمصلّى المرواني :
أطماع اليهود بالمسجد الأقصى أطماع قديمة و تحديداً أطماعهم بالمصلّى
المرواني ، فقد أثار الصهاينة ضجّة كبيرة ضد عملية الإصلاح و الترميم في
المصلّى المرواني التي قامت بها مؤسسة الأقصى و هيئة الأوقاف و كتبت الصحف
العبرية حين ذاك أن المسلمين يقيمون مسجداً سرّياً تحت المسجد الأقصى ،
هذه الضجة التي أثارها الصهاينة ترجِع بالدرجة الأولى إلى وجود مخطّطات
داخل الحكومة الصهيونية لتحويل هذا المصلّى إلى كنيسٍ يهودي في إطار
تسويةٍ ما للقضية الفلسطينية ، و لا أدلّ على ذلك مما فعله باراك عام 1999
، ففي 3/أكتوبر قامت حكومة باراك ببناء درَجٍ حتى السور الذي هو حائط
المصلّى المرواني و الحدّ الجنوبي للمسجد الأقصى المبارك ، و قد افتتحه
باراك نفسه و ادعى كذِباً أن هذا المكان مدخل الهيكل .
و في إشارة واضحة للأطماع اليهودية في المصلّى المرواني برزت حين اقتحم
آرئيل شارون 28/9/2000 المسجد الأقصى و حاول دخول المصلّى المرواني عبر
باحات المسجد الأقصى مدنّساً حرمة المكان ، الأمر الذي أدّى إلى اندلاع
انتفاضة الأقصى ، و من يومها منعت دائرة الأوقاف الإسلامية دخول اليهود و
السيّاح الأجانب إلى باحات المسجد الأقصى ، إلى أن فرض و بعد مرور ثلاثة
سنوات وزير الأمن الداخلي "تساحي هنغبي" السماح بدخول اليهود و الأجانب
إلى ساحت المسجد الأقصى و الذين حاولوا مراراً و تكراراً أداء شعائر دينية
مشبوهة أمام المصلّى المرواني و في أماكن أخرى من المسجد الأقصى .
المرواني .. وسط عاصفة إعلامية ترهيبيّة :
في الأول من نيسان 2004 نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية خبراً مفاده
أن تقريراً سرياًّ قُدّم لرئيس الوزراء الصهيونيّ آرئيل شارون يوصي بإغلاق
المصلّى المرواني و محيطه أمام المصلّين المسلمين ، و ادعى التقرير أنه
بسبب الزلزال الذي حدث في فبراير 2004 فإن الجدار الشرقيّ للمسجد الأقصى
يتهدّده خطر الانهيار الفوري ، مما قد يتسبّب بانهيار المصلّى المرواني .
و في 30/6/2004 حاولت الشرطة الصهيونيّة بالقوة منع إتمام عمليات الترميم
و الإصلاح كانت تقوم بها دائرة الأوقاف في مدخل المصلّى المرواني تهدف إلى
وقف تدفّق مياه الأمطار في فصل الشتاء إلى داخل المصلّى .
و في 26/9/2004 بدأت المؤسسة الصهيونيّة و أذرعها المختلفة بحملة إعلامية
واسعة النطاق حول أخطار انهيار المصلّى المرواني بسبب اكتظاظه بالمصلّين
خلال شهر رمضان المبارك ، و أصدر رئيس الحكومة الصهيونيّة آرئيل شارون
أوامر مغلّفة للأجهزة الأمنية الصهيونيّة بإغلاق المرواني و منع الصلاة
فيه بحجة منع "كارثة إنسانية"- حسب زعمه - ، و سارعت دائرة الأوقاف
الإسلامية و مؤسسة الأقصى بالردّ على الادعاءات الصهيونيّة و أكّدت أن
المصلّى المرواني بخير و أن وضعه الإنشائي مستقرّ .
التصريحات الصهيونيّة بإغلاق المصلّى المرواني بحجة خطر انهيارٍ تسارعت
بشكلٍ ملفت ، فبعد يومٍ واحدٍ من تصريحات شارون خرج القائم بأعمال وزير
الأمن الداخلي "جدعون عزرا" ليقول : "إن (إسرائيل) ستحدّد عددَ المسموح
لهم بالدخول إلى الأقصى إذا لم تحلّ إشكالية الترميمات في المصلّى
المرواني" ، لتُسرّب بعد أيام معلومات بأن سلطات الاحتلال ستغلق نصف
المصلّى المرواني .
و في 12/10/2004 قالت المؤسسة الصهيونيّة إن هناك "اتفاقاً معيّناً"
بإغلاق جزءٍ من المرواني ، إلا أن دائرة الأوقاف كَذّبت هذه الرواية و
قالت إن الحقيقة هي منطقة صغيرة تجري فيها الآن أعمال ترميم في المصلّى
المرواني أغلقت للمحافظة على سلامة المصلّين ، و بعد يومٍ واحدٍ فقط نشرت
الصحافة العبريّة تقريراً مفصّلاً بأنه سيتمّ عزل مدينة القدس و محاصرة
الأقصى و أن السلطات الصهيونيّة لن تسمح إلا لـ 50 ألف مصلٍّ فقط بالدخول
إلى المسجد الأقصى في يوم الجمعة الأول من شهر رمضان .
تراجع شارونيّ :
عشيّة شهر رمضان المبارك و ظهر يوم الخميس 14/10/2004 و بعد اقتحام القائد
العام للشرطة الصهيونيّة "موشيه كرداي" للمسجد الأقصى و المصلّى المرواني
و الاطّلاع على الأوضاع فيه ، يخرج بتصريحٍ بأن الحرم القدس آمن بالنسبة
للمصلّين و يقول : "إن الحرم القدسي آمنٌ بالنسبة للمصلّين ، بعد إجراءات
عمليّات صيانة في الـ 48 الساعة الأخيرة و ذلك بأمرٍ من الأوقاف الإسلامية
و بالتعاون مع الأردن و باستشارة خبراء في المجال العمراني" ، بعد ساعاتٍ
قلائل ، و إجراء مشاورات في مكتب رئاسة الحكومة الصهيونيّة يتراجع شارون
عن تحديد عدد المصلّين في الأقصى يوم الجمعة الأول من شهر رمضان بعد حملة
الترهيب و التخويف الواسعة من انهيار المصلّى المرواني .
و رغم أن القدس و محيط المسجد الأقصى كانا يوم الجمعة الأخيرة أشبه
بالثكنة العسكرية إلاّ أن نحو 100 ألف وصلوا من القدس و من مدن و قرى
الداخل الفلسطيني ليصلّوا في المسجد الأقصى المبارك و أنحاء المصلّى
المرواني ..
و يبقى التساؤل .. ؟!!
يوم الخميس الأخير 14/10/2004 كان يوماً حافلاً بالأحداث و التصريحات
بالنسبة للمصلّى المرواني ، فقد ذكرت مصادر أمنية صهيونيّة إن تراجع شارون
عن قراره بتحديد الأعداد التي يسمح لها بالصلاة في المسجد الأقصى إنما جاء
بعد قبول رئيس الوزراء شارون بالتوصيات التي رفعها قائد الشرطة الصهيونيّة
العام في أعقاب "اتفاقٍ" مع الأوقاف الإسلامية و الأردن على إغلاق أجزاء
من المصلّى المرواني لن يسمح للمصلّين بالاقتراب منها خشية الانهيار – حسب
الرواية الصهيونيّة – ،كما جاء على لسان المتحدّث باسم الشرطة الصهيونيّة
"جيل كلايمان" بأن القائد العام للشرطة الصهيونية قد قام يوم الخميس
الأخير يرافقه قائد شرطة القدس بجولة في ساحات الأقصى اطّلع خلالها على
أعمال الترميم و تدابير السلامة !! .
رواية هيئة الأوقاف الإسلامية تختلف تماماً و تؤكّد كما قال الشيخ محمد
حسين – مدير و خطيب المسجد الأقصى - : "أن أعمال الصيانة جارية الآن في
جزءٍ من قاعة الصلاة التي ستقفل أمام المصلّين و قد أغلق ممرّ أو ممرّان
أمام المصلّين" – صحيفة القدس - ..
و كانت فرق الهندسة الفلسطينية و الأردنيّة و المصريّة أعلنت سابقاً أن
قاعة الصلاة التي تستطيع استيعاب أكثر من 5000 مصلٍّ ليست معرّضة لخطر
الانهيار ، و من جهته قال مدير الأوقاف عدنان الحسيني لصحيفة القدس إن
قاعة الصلاة لا تشكّل أيّ خطر ، متّهماً الكيان الصهيونيّ بالحديث عن خطر
الانهيار لأسباب سياسية ، و أكّد الحسيني : "أن المصلّين لن يستطيعوا
الصلاة في الجزء الكائن تحت الأقصى من المصلّى المرواني حيث الأعمال جارية
، و لا في الجزء من المسجد الأقصى الذي يستخدم سقفاً لهذه القاعة" ، و
كانت بالفعل قد وضعت دعائم و حواجز لمنع المصلّين من دخول ثلاث أروقة
قصيرة في المرواني و منطقة ضيّقة على سطحه العلوي للمحافظة على سلامة
المصلّين .
هذه التصريحات و الأحداث المتسارعة دفعت صحيفة القدس الفلسطينية إلى أن
يتصدّر عنوانها الرئيسي صباح الجمعة : "بعد اتخاذ الأوقاف تدابير تبعد
المصلّين عن مناطق الخطر – السلطات (الإسرائيلية) تراجعت عن تقليص عدد
المصلين ، السماح لحاملي الهوية الزرقاء فقط بدخول الأقصى اليوم" .
الإعلام الصهيونيّ لم يمرّ على أحداث و تصريحات الخميس مرّ الكرام بل
جعلها مادة للتحليلات و التفسيرات ، مما جعل الصحافي الصهيونيّ "عامي بن
دافيد" في خبرٍ له في صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبريّة صباح الجمعة يقول :
"إن (إسرائيل) ترى أنها حقّقت في قضية الحرم القدسي – المصلّى المرواني -
نجاحاً باتجاهين ، الأول القبول بالشروط (الإسرائيلية) كلّها ، و ثانيها
تبنّي وجهة النظر (الإسرائيلية) بأن مبنى المصلّى المرواني يتهدّده الخطر"
.
هذا التحليل الصهيونيّ و التفسير ليس عفوياً ، بل يقصد منه التركيز على أن
السيادة و السيطرة على المسجد الأقصى هي للمؤسسة الصهيونيّة و يمكنها أن
تفرض هذه السيطرة بأساليب مختلفة .
و لذا فالسؤال الذي يطرح نفسه : هل توقّفت الأطماع الصهيونيّة بالمسجد
الأقصى و المصلّى المرواني عند هذا الحدّ .. ؟! أم أنها الخطوة الأولى في
فرض المزيد من السيطرة على أنحاء من المسجد الأقصى المبارك ؟! و هل سيخرج
المسجد الأقصى و المصلّى المرواني سالماً و صامداً في وجه هذه العاصفة ؟!!
.
قبة الصخرة المشرفة
كيف تبكي؟ وهل هناك دموع؟
ذهب الأهل والهوى والربيع
كل يوم أحبه تتهاوى
وقبور غريبة وجموع
لا التراب الذي يضم شظاياهم
تراب ولا الربوع ربوع
تعتبر قبة الصخرة المشرفة إحدى أهم المعالم المعمارية الإسلامية في
العالم: ذلك أنها إضافة إلى مكانتها وقدسيتها الدينية، تمثل أقدم نموذج في
العمارة الإسلامية من جهة. ولما تحمله من روعة فنية وجمالية تطوي بين
زخارفها بصمات الحضارة الإسلامية على مر فتراتها المتتابعة من جهة أخرى،
حيث جلبت انتباه واهتمام الباحثين والزائرين وجميع الناس من كل بقاع
الدنيا لما امتازت به من تناسق وانسجام بين عناصرها المعمارية والزخرفية
حتى اعتبرت آية من في الهندسة المعمارية .
تتوسط قبة الصخرة المشرفة تقريباً ساحة الحرم الشريف، حيث تقوم على فناء
(صحن) يرتفع عن مستوى ساحة الحرم حوالي 4م، ويتوصل إليها من خلال البوائك
(القناطر) التي تحيط بها من جهاتها الأربع .
بنى هذه القبة المباركة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (65-86هـ/
684-705م)، حيث بدأ العمل في بنائها سنة 66هـ/ 685م، وتم الفراغ منها سنة
72هـ/ 691م. وقد اشرف على بنائها المهندسان العربيان رجاء بن حيوة وهو من
بيسان فلسطين ويزيد بن سلام مولى عبد الملك بن مروان وهو من القدس (1) .
وقد وضع تصميم مخطط قبة الصخرة المشرفة على أسس هندسية دقيقة ومتناسقة تدل
على مدى إبداع العقلية الهندسية الإسلامية، حيث اعتمد المهندس المسلم في
تصميم هيكلها وبنائها على ثلاث دوائر هندسية ترجمت بعناصر معمارية لتشكل
فيما بعد هذا المعلم والصرح الإسلامي العظيم. وما العناصر المعمارية
الثلاثة التي جاءت محصلة تقاطع مربعين متساويين فهي: القبة التي تغطي
الصخرة وتحيط بها، وتثمينتين داخلية وخارجية تحيطان بالقبة نتج فيما
بينهما رواق داخلي على شكل ثماني الأضلاع (2) . (أنظر لوحة رقم 1،2) .
فأما القبة التي جاءت بمثابة الدائرة المركزية التي تحيط بالصخرة فإنها
تجلس على رقبة تقوم على أربع دعامات حجرية (عرض كل منها ثلاثة أمتار)
واثنين عشر عموداً مكسوة بالرخام المعرق، تحيط بالصخرة بشكل دائري ومنسق
بحيث يتخلل كل دعاة حجرية ثلاثة أعمدة رخامية. وتتكون القبة من طبقتين
خشبيتين داخلية وخارجية وقد نصبتا على إطار خشبي يعلو رقبة القبة. كما
زينت القبة من الداخل بالزخارف الجصية المذهبة، وأما من الخارج فقد صفحت
بالصفائح النحاسية المطلية بالذهب .
وأما رقبة القبة فقد زينت من الداخل بالزخارف الفسيفسائية البديعة، كما فتح فيها ست عشرة نافذة لغرضي الإنارة والتهوية .
وأما التثمينة الداخلية فتحتوي على ثماني دعامات حجرية يتخللها بين كل
دعامة وأخرى عمودان من الرخام تعلوها عقود نصف دائرية متصلة ببعضها البعض
بواسطة جسور خشبية مزخرفة، حيث زينت هذه العقود بالزخارف الفسيفسائية
المطلية بالذهب .
وأما التثمينة الخارجية فتتألف من ثماني واجهات حجرية، فتح في أربع منها
المقابلة للجهات الأربع باب، كما فتح من كل واجهة منها خمسة شبابيك. وقد
كسيت الواجهات من الداخل بالبلاط الرخامي الأبيض.
وأما من الخارج فقد كسي القسم السفلي للواجهات بالبلاط الرخامي الأبيض.
وأما من الخارج فقد كسي القسم السفلي للواجهات بالبلاط الرخامي الأبيض
والقسم العلوي بالقاشاني، علماً بأنها كانت مكسوة بالفسيفساء المزخرفة في
الفترة الأموية (3) . وكما تم تغطية سقفي الرواقين الممتدين من التثمينة
الخارجية وحتى القبة بجمالونات خشبية صفحت من الداخل بألواح خشب دهنت
وزخرفت بأشكال مختلفة، وأما من الخارج فقد صفحت بألواح من الرصاص .
وأما القياسات الهندسية لأبعاد القبة فقد جاءت على النحو التالي:
قطر القبة الداخلي (29,44م) وارتفاع رقبتها (9,8م). قطر المبنى بشكل عام
(52م) وارتفاعه (54م) وأما أضلاع المثمن فيبلغ طول كل منها (20,60م) على
ارتفاع (9,5). علماً بأن أبعاد الصخرة المشرفة نفسها (17,70م و 13,50م)
(4) . ويقوم أسفل الصخرة المشرفة كهف صغير يعرف بالمغارة، مربع الشكل
تقريباً (4,5 م2) ومتوسط ارتفاعه 3 م. وقد أقيم في جهته القبلية محرابان،
أحدهما وهو الواقع في الجانب الشرقي للمغارة يعود إلى تاريخه للفترة
الأموية والثاني في الجانب الغربي لها والذي يعود تاريخه لفترات متأخرة .
تاريخ بناء قبة الصخرة المشرفة
الأمويون هم من بنى قبة الصخرة
لقد بات معروفاً تماماً أنه تم الفراغ من بناء قبة الصخرة المشرفة عام
76هـ/ 691م أي في فترة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (65-86هـ/
684-705م)، وذلك حسب النص المادي والموجود حتى يومنا الحاضر والذي يتمثل
بالنقش التذكاري المعمول من الفسيفساء المذهبة بالخط الكوفي الأموي
والواقع أعلى التثمينة الداخلية للقبة في الجهة الشرقية الجنوبية منها (5)
.
يقول النص (( .. بنى هذه القبة عبدالله الإمام المأمون أمير المؤمنين في
سنة اثنتين وسبعين تقبل الله منه ..)) وهنا لا للقارئ أن يتساءل كيف تداخل
اسم "المأمون" الخليفة العباسي (198-218 هـ/ 813 – 833م) مع التاريخ 72 هـ
.
والجواب هنا أنه أثناء أعمال الترميم التي جرت في فترة الخليفة العباسي
المأمون، قام أحد الفنيين بتغيير اسم عبد الملك الخليفة الأموي مؤسس وباني
قبة الصخرة، ووضع مكانه اسم "المأمون" ولكنه نسي أن يغير التاريخ حيث تم
اكتشاف الأمر بسهولة، ولا نظن هنا أنه كان للمأمون رياً في هذا الأمر،
وإنما جاء من قبيل الصدفة على يدي أحد الصناع .
ولكننا نقول حتى ولو تم تغيير التاريخ فإنه من الصعب القبول به: ذلك أن
التحليل المعماري لمخطط قبة الصخرة يعود بعناصره وزخارفه إلى الفترة
الأموية (6) وليست العباسية إضافة إلى ما ورد في المصادر التاريخية (7) من
نصوص تؤكد أن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان هو نفسه الذي قام ببناء
هذه القبة وصرف على بنائها خراج مصر لسبع سنين .
فلو أجرينا حسابات للمبالغ الطائلة التي أنفقت لبناء هذا المعلم الحضاري،
والذي رصد لبنائه خراج أكبر ولاية إسلامية (مصر) ولمدة سبع سنوات فإننا
سنجدها اليوم تقدر بملايين الدولارات. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على
الاستقرار والرخاء الذي كان يعم الخلافة الإسلامية في الفترة الأموية
والتي تعكس تأثير القوة الاقتصادية لهذه الخلافة الإسلامية الحديثة أمام
الإمبراطوريتين العظميين البيزنطية والفارسية في ذلك الوقت .
وهذا يقودنا إلى السؤال عن السبب الكامن خلف بناء قبة الصخرة بهذه الفخامة
والعظمة، فمما لا شك فيه أن السبب المباشر في بناء هذه القبة هو السبب
الديني حيث لولا وجود "الصخرة" بالتحديد التي عرج عنها رسول الله صلى الله
عليه وسلم، حسب ما هو مثبت في العقيدة الإسلامية لما ورد في القرآن الكريم
والأحاديث الشريفة والروايات التاريخية المنقحة، فلولا وجود هذه الصخرة
كرمز ديني إسلامي ارتبطت بمعجزة الإسراء والمعراج لما قدم الخليفة عبد
الملك بن مروان ليشيد هذه القبة فوقها .
وهذا يجعلنا نستبعد التبرير السياسي الذي أورده اليعقوبي (8) ، واتهم فيه
الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بنية تحويل قبلة الحجاج عن الكعبة
المشرفة في مكة المكرمة إلى الصخرة في بيت المقدس مانعاً في ذلك مبايعة
الحجاج لعبدالله بن الزبير في مكة. إذ لا يخفى عن بال كل فطين شيعية
المؤرخ اليعقوبي ومدى معارضته للخلافة الأموية التي أكثر من تشويه صورتها
أمام الخلافة العباسية .
فليس من المنطق إذن أن نقبل رواية مدسوسة على الخليفة الذي حكم فترة تزيد
عن العشرين سنة وعرف عنه خلالها الحزم والحكمة السياسية وقوة الإرادة وبعد
النظر والاهتمام بالعقيدة الإسلامية، فكيف يعقل لخليفة في مثل هذه الصفات
وصاحب تاريخ عظيم، أن يقدم على التلاعب بركن من أركان الإسلام (الحج) بهذه
البساطة التي يرويها اليعقوبي .
ولكننا نتساءل هل كان ضرورياً أن يبنيها بهذه العظمة والفخامة، إذ كان
يستطيع أن يبنيها بشكل أبسط وغير مكلف، ولكن إذا أمعنا النظر بالظروف التي
أحاطت بتلك الفترة عشية بناء القبة وحللناها نجد أنه كان لا بد لأمير
المؤمنين الخليفة عبد الملك بن مروان أن يبني هذه القبة بهذا الشكل لإظهار
عظمة وقوة الخلافة الإسلامية الحديثة في حينها أمام القوتين العظميين
الفرس والروم. ذلك أنه إبان الفتوحات الإسلامية لبلاد الشام، كان السكان
في هذه البلاد إما نصارى أو وثنيين ومنهم من دخل الإسلام مع الفتوحات،
ولكنهم بقوا ضعفاء الإيمان فكيف لا وهم اعتادوا على رؤية الحضارة
البيزنطية تتألق من خلال مبانيها الفخمة مثل الكنائس والقلاع وخاصة كنيسة
القيامة في القدس الشريف وكنيسة المهد في بيت لحم (9). فما كان للخليفة
الأموي إلا أن يبني هذه القبة العظيمة محاكياً فيها العمارة البيزنطية
ليبين ويثبت للسكان مدى وقوة الدولة الإسلامية الجديدة .
وقد أكد هذا السبب المؤرخ الجليل المقدسي المتوفى عام 985م حينما وضحه
أثناء مناقشته مع عمه (البناء) بخصوص العمارة الأموية في عهد الخليفة عبد
الملك بن مروان وولده الوليد، حيث يقول في ذلك ما نصه على لسان عمه (10)
((.. ألا ترى أن عبد الملك لما رأى عظم قبة القمامة (القيامة) وهيئتها خشي
أن تعظم في قلوب المسلمين فنصب على الصخرة قبة على ما ترى ..)) .[/size]
المسلمون والمحافظة على قبة الصخرة
وقد اهتم المسلمون برعاية وعناية قبة الصخرة المشرفة، على مر الفترات
الإسلامية المتعاقبة، وبخاصة بعد ما كان يحدث بها من خراب جراء التأثيرات
الطبيعية مثل الهزات الأرضية، والعواصف والأمطار والحرائق. فلم يتأخر أي
خليفة أو سلطان في ترميمها والحفاظ عليها .
العباسيون
إن ما شاع عن العباسيين أنهم لم يهتموا بالحرم الشريف وعمارته ليس صحيحاً،
فقد أشرنا سابقاً إلى أنهم حافظوا قدر استطاعتهم على عمارته، ولكن على ما
يبدو دون تغيير ملموس في ذلك الطابع المعماري الذي نفذه الأمويون، فقد قام
الخليفتان المنصور والمهدي بترميم المسجد الأقصى المبارك بعد الخراب الذي
أصابه جراء الهزات الأرضية التي حدثت في تلك الفترات والذي سنأتي على شرحه
لاحقاً .
ففي سنة 216هـ/ 831م، زار الخليفة العباسي المأمون (198-218 هـ/ 813 –
833م) بيت المقدس وكان قد أصاب قبة الصخرة شيء من الخراب فأمر بترميمه
وإصلاحه، والأمر تطور على ما يبدو ليصبح مشروع ترميم ضخم اشتمل على قبة
الصخرة المشرفة، مما حدا بالمأمون أن يضرب فلساً يحمل اسم القدس لأول مرة
في تاريخ مدينة القدس وذلك في سنة 217 هـ كذكرى لإنجاز ترميماته تلك .
وفي عهد الخليفة العباسي المقتدر بالله (295 –320/ 908 – 932م)، في سنة
301 هجرية/ 913 ميلادية، تمت أعمال ترميمات خشبية في قبة الصخرة اشتملت
على إصلاح قسم من السقف وكذلك عمل أربعة أبواب خشبية مذهبة بأمر من أم
الخليفة المقتدر، حيث تم الكشف عن ذلك من خلال شريط كتابي مكتوب بالدهان
الأسود وجد على بعض الأعمال الخشبية في القبة، حيث كتب عليها ما نصه (11)
:
بسم الله الرحمن الرحيم، بركة من الله لعبد الله جعفر الإمام المقتدر
بالله أمير المؤمنين حفظه الله لنا، مما أمرت به السيدة أم المقتدر بالله
نصرها الله، وجرى ذلك على يد لبيد مولى السيدة، وذلك في سنة إحدى
وثلثماية)) .
الفاطميون
وفي الفترة الفاطمية تعرضت فلسطين لهزات أرضية عنيفة: منها التي حدثت سنة
407 هـ/ 1016 م، والتي أدت إلى إصابة قبة الصخرة وإتلاف بعض أجزاء القبة
الكبيرة (12)، حيث بدئ بترميمها في عهد الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله
(386 – 411هـ/ 996-1021) واستكمل في عهد ولده الخليفة الظاهر لإعزاز دين
الله (411-427هـ/1021-1036م). وقد اشتملت الترميمات على القبة وزخارفها
وتمت على يدي علي بن أحمد في سنة 413هـ/1022 م، وذلك حسب ما ورد في الشريط
الكتابي الواقع في الدهليز الموجود في رقبة القبة (13) .
الاحتلال الصليبي
لقد عانت قبة الصخرة كثيراً مثلما عانت معظم المساجد الإسلامية في فلسطين من الاحتلال الصليبي .
فعندما احتل الصليبيون بيت المقدس سنة 493هـ/ 1099م، قاموا بتحويل مسجد
قبة الصخرة إلى كنيسة عرفت بذلك الوقت باسم "هيكل السيد العظيم/ Temple
Domini (14)، فانتهكوا قدسيتها وبنوا فوق الصخرة مذبحاً ووضعوا فيها الصور
والتماثيل. مبيحين في ذلك ما حرمه الإسلام في أماكنه المقدسة .
ومن الطريف بالأمر أن قساوسة ذلك الوقت اعتادوا على المتاجرة بأجزاء من
الصخرة، كانوا يقتطعوها من الصخرة ليبيعوها للحجاج والزوار ليعودوا بهذه
القطع إلى بلادهم بحجة التبرك والتيمن بها. وعلى ما يبدو أنها كانت تجارة
رابحة جداً للقساوسة، حيث كانون يبيعون تلك القطع بوزنها ذهباً، الأمر
الذي حدا بملوك الفرنج إلى كسوة الصخرة بالرخام وإحاطتها بحاجز حديدي مشبك
لحمايتها والإبقاء عليها خوفاً من زوالها إذا استمر القساوسة بهذه التجارة
(15) .
الأيوبيون
ولم يشأ الله عز وجل أن يطيل معاناة قبة الصخرة المشرفة من ذلك الاحتلال
الغاشم، حتى هيأ سبحانه وتعالى القائد الجليل صلاح الدين (564 – 589
هجرية/ 1169-1193 ميلادية) لتحرير فلسطين واستردادها من الصليبيين سنة
583هجرية/ 1187 ميلادية (16) .
وبذلك تطهرت قبة الصخرة المشرفة من النجس الذي كان عالقاً بها، حيث قام
صلاح الدين بإعادتها إلى ما كانت عليه قبل الصليبيين وإزالة جميع بصماتهم
التي وضعوها عليها، فقد قام بإزالة المذبح الذي أضافوه فوق الصخرة والبلاط
الرخامي الذي كسوا به الصخرة والصور والتماثيل، وكذلك أمر بعمل صيانة
وترميم لما يحتاجه المبنى، حيث تم تجديد تذهيب القبة من الداخل وذلك حسب
ما نجده اليوم مكتوباً من خلال الشريط الكتابي الواقع بداخل القبة والذي
جاء فيه ما نصه (17) : ((بسم الله الرحمن الرحيم. أمر بتجديد تذهيب هذه
القبة الشريفة مولانا السلطان الملك الناصر العالم العادل العامل صلاح
الدين يوسف بن أيوب تغمده الله برحمته. وذلك في شهور سنة ست وثمانين
وخمسمائة)) .
هذا ولم يغفل المجاهد صلاح الدين عن متابعة مبنى قبة الصخرة والحفاظ
عليها، فنراه قد رتب للمسجد إماماً وعين لخدمته سدنة ووقف عليه الوقوفات
لكي ينفق ريعها لصالح قبة الصخرة المشرفة (18) .
وقد استمر الأيوبيون بعد صلاح الدين بالاهتمام بقبة الصخرة والحفاظ عليها،
حيث تشير المصادر التاريخية (19) إلى أن معظمهم كانوا يكنسون الصخرة
بأيديهم ثم يغسلونها بماء الورد باستمرار لتظل نظيفة معطرة، كما أن الملك
العزيز عثمان بن صلاح الدين (589-595 هجرية/ 1193-1198ميلادية)، قام بوضع
الحاجز الخشبي الذي يحيط الصخرة (20) لحمايتها بدلاً من الحاجز الحديدي
الذي وضعه الصليبيون .
المماليك
وفي الفترة المملوكية لم ينس سلاطين المماليك متابعة الاهتمام بقبة الصخرة
والحفاظ عليها. فقد قام السلطان الملك الظاهر بيبرس (658 – 676هجرية/ 1260
– 1277ميلادية) بتجديد الزخارف الفسيفسائية التي تكسو الأقسام العلوية
الواقعة في واجهات التثمينة الخارجية وذلك سنة 699 هجرية/ 1270 ميلادية
(21) .
أما السلطان الناصر محمد بن قلاوون وفي فترة سلطنته الثالثة (709
–741هجرية/ 1309-1340 ميلادية) والذي اعتبر من مشاهير سلاطين المماليك
الذين اهتموا بالإنجازات المعمارية بصورة عامة، مثله مثل الوليد بن عبد
الملك في الفترة الأموية، فقد قام السلطان ابن قلاوون بأعمال صيانة وترميم
عديدة في قبة الصخرة نذكر منها: تجديد وتذهيب القبة من الداخل والخارج في
سنة 718 هجرية/ 1318 ميلادية) وذلك حسب ما ورد بالشريط الكتابي الموجود في
أعلى رقبة الداخلية حيث جاء ما نصه (22) ((بسم الله الرحمن الرحيم. أمر
بتجديد وتذهيب هذه القبة مع القبة الفوقانية برصاصها مولانا ظل الله في
أرضه القائم بسنته وفرضه السلطان محمد بن الملك المنصور الشهيد قلاوون
تغمده الله برحمته. وذلك في سنة ثمان عشرة وسبع مائة)). وكما أنه قام
بتبليط فناء (صحن) قبة الصخرة المشرفة الذي يحيط بها .
وفي عهد السلطان الملك الظاهر برقوق وفي فترة سلطنته الأولى
(784-791هجرية/ 1382 –1389ميلادية)، تم تجديد دكة المؤذنين الواقعة إلى
الغرب من باب المغارة مقابل الباب الجنوبي (القبلي) لقبة الصخرة، وذلك في
سنة 789هجرية/ 1387ميلادية) على يدي نائبه بالقدس محمد بن السيفي بهادر
الظاهري نائب السلطنة الشريفة بالقدس وناظر الحرمين الشريفين، حسب ما ورد
في النص التذكاري الموجود عليها (23) .
وفي عهد السلطان الملك الظاهر جقمق (842 – 857هجرية/ 1438 – 1453ميلادية)،
تم ترميم قسم من سقف قبة الصخرة الذي تعرض للحريق إثر صاعقة عنيفة (24) .
وقد حافظ سلاطين المماليك على استمرارية صيانة وترميم قبة الصخرة والحفاظ
عليها إما عن طريق الترميمات الفعلية أو عن طريق الوقوفات التي كانت
بمثابة الرصيد المالي الدائم لكي يضمن النفقات والمصاريف على مصلحة مسجد
قبة الصخرة المشرفة. فعلى ما يبدو أنه في حال لم يكن هناك ترميمات، اهتم
السلاطين برصد الأموال اللازمة لها في حين الحاجة، فنجد السلطان الملك
الأشرف برسباي (825-841هجرية/ 1422-1437ميلادية)، قد أمر بشراء الضياع
والقرى ووقفها لرصد ريعها للنفقة على قبة الصخرة المشرفة، حيث جاء في النص
الوقفي ما نصه (25) : ((جدده وأنشأه ناظر الحرمين الشريفين أثابه الله
الجنة وهو مشتراه مما ثمره من مال الوقف من أجور المسقفات في كل شهر ألفا
درهم خارجاً عن تكملة جوامك المستحقين وما جدده وأنشأه من الحمام الخراب
بحارة حواصل قرية العوجاء والنويعمة بالغور ومرتب الجرجان الواردين تمامه
وأن يصرف جميع متحصل ذلك برسم عمارة المسجد الأقصى الشريف والصخرة الشريفة
مهما حصل من ذلك يرصد حاصلاً لصندوق الصخرة المشرفة أرصد ذلك جميعه برسم
العمارة خاصة إرصاداً صحيحاً شرعياً بمقتضى المرسوم الشريف المعين تاريخه
أعلاه ورسم أن ينقش ذلك في هذه الرخامة حسنة جارية في صحائف مولانا
السلطان الملك الأشرف برسباي خلد الله ملكه على مستمرة الدوام الشهور
والأعوام فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه ومضاف إلى
ذلك فائض الزيت والجوالي اللهم من فضل هذا الخير وكان سبب فيه جازه الجنة
والنعيم ومن غيره أو نقصه جازه العذاب الأليم في الدنيا والآخرة)) .
[/size]
أيها الجاثمون فوق ترابي
أيها الشاربون نخب الرقاب
أيها العابثون في كل واد
أيها الساكنون عرش السراب
أيها السارقون فجر بلادي
لن أداجي لن أداجي
لن أداجي ولن يطول جوابي
لن أداجي لن أداجي
لن أداجي ولن يطول جوابي
هدّموا بيتي
حرقوا كبدي صادروا أرضي
وارتعوا في شعابي
هدف هذا الموضوع هو التعريف بالمسجد الاقصى المبارك، وتصحيح المفاهيم بشأنه
حقائق في سطور
مقدمة
هدف هذا الموضوع هو التعريف بالمسجد الأقصى المبارك، وتصحيح المفاهيم
بشأنه. فإذا تعرفنا عليه حقيقة، سنتعلق به، وإذا تعلقنا به، هان كل شيء في
سبيل تحريره. ونهجنا في هذا نهج محمد صلى الله عليه وسلم الذي ارتبط
بالأقصى، زيارة، وإعمارا (مثلما ارتبط به الأنبياء قبله)، بل، وتوصية
للمسلمين بعده بتحريره، لأنه مسجدهم، وحقهم أن يعمروه. فالمساجد لا يعمرها
إلا المؤمنون.
1. التعريف:
المسجد الأقصى المبارك هو اسم لكل ما دار حوله السور الواقع في أقصى
الزاوية الجنوبية الشرقية من مدينة القدس القديمة المسورة بدورها، ويشمل
كلا من قبة الصخرة المشرفة، (ذات القبة الذهبية) والموجودة في موقع القلب
بالنسبة للمسجد الأقصى، والمصلى القِبْلِي، (ذي القبة الرصاصية السوداء)،
والواقع أقصى جنوب المسجد الأقصى، ناحية (القِبلة)، فضلا عن نحو 200 معلم
آخر، ما بين مساجد، ومبان، وقباب، و أسبلة مياه، ومصاطب، وأروقة، ومدارس،
وأشجار، ومحاريب، ومنابر، ومآذن، وأبواب، وآبار، ومكتبات.
المسجد الأقصى المبارك
2. المساحة:
تبلغ مساحة المسجد الأقصى حوالي 144 دونماً (الدونم = 1000 متر مربع)،
ويحتل نحو سدس مساحة القدس المسورة، وهو على شكل مضلع غير منتظم، طول ضلعه
الغربي 491م، والشرقي 462م، والشمالي 310م، و الجنوبي 281م . وهذه الحدود
لم تدخلها زيادة أو نقصان منذ وضع المسجد أول مرة كمكان للصلاة، بخلاف
حدود المسجدين الحرام والنبوي الذين تم توسيعهما عدة مرات. ومن دخل حدود
الأقصى، فأدى الصلاة، سواء تحت شجرة من أشجاره، أو قبة من قبابه، أو فوق
مصطبة، أو عند رواق، أو في داخل قبة الصخرة، أو المصلى القبلي، فهو كمن
أدى خمسمائة صلاة فيما سواه عدا المسجد الحرام والمسجد النبوي.
3. البناء:
ثاني مسجد وضع في الأرض، بنص الحديث الشريف، والأرجح أن أول من بناه هو
آدم عليه السلام، اختط حدوده بعد أربعين سنة من إرسائه قواعد البيت
الحرام، بأمر من الله تعالى، دون أن يكون قبلهما كنيس ولا كنيسة ولا هيكل
ولا معبد. وجاءت هجرة إبراهيم عليه السلام من العراق إلى الأراضي المباركة
حوالي العام 1800 قبل الميلاد. وبعدها، قام عليه السلام برفع قواعد البيت
الحرام، و عمر هو، ومن بعده إسحاق ويعقوب عليهم الصلاة والسلام أجمعين،
المسجد الأقصى. كما أعيد بناؤه على يد سليمان عليه السلام حوالي العام
1000 قبل الميلاد. ومع الفتح الإسلامي للقدس عام 636م (الموافق 15 هجرية)،
بنى عمر بن الخطاب رضي الله عنه المصلى القبلي، كجزء من المسجد الأقصى.
وفي عهد الدولة الأموية، بنيت قبة الصخرة، كما أعيد بناء المصلى القبلي،
واستغرق هذا البناء قرابة 30 عاما من 66 هجرية/ 685 ميلادية - 96
هجرية/715 ميلادية، ليكتمل بعدها المسجد الأقصى بشكله الحالي.
قبة الصخرة
كلاهما جزء من المسجد الأقصى المبارك
4. من فضائله:
· المسجد الأقصى هو قبلة الأنبياء قبل خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم،
والقبلة الأولى للنبي الخاتم، لمدة 14 عاما تقريبا منذ بعثته وحتى الشهر
السابع عشر للهجرة.
· الأقصى هو مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ورد في الآية الكريمة
باسمه الصريح، "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد
الأقصى الذي باركنا حوله" (الإسراء-1). وفيه صلى جميع الأنبياء جماعة خلف
إمامهم محمد صلى الله عليه وسلم خلال هذه الرحلة، لتكثر بركاته حتى إنها
لتفيض حوله.
· الأقصى هو مبدأ معراج محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء، فقد كان الله
تعالى قادرا على أن يبدأ رحلة المعراج برسوله من المسجد الحرام بمكة،
ولكنه سبحانه اختار الأقصى لذلك ليثبت مكانته في قلوب المسلمين، كبوابة
الأرض إلى السماء، أرض المنشر والمحشر.
· هو ثالث المساجد التي لا تشد الرحال إلا إليها، إلا أنه ليس بحرم، لأنه
لا يحرم فيه الصيد، وتلتقط لقطته، بخلاف حرمي مكة والمدينة. وتسميته
بالحرم الشريف ليست صحيحة، وإنما الاسم الصحيح هو "المسجد الأقصى
المبارك"، وهو الاسم الذي ظل يطلق عليه طوال العهد الإسلامي حتى الفترة
المملوكية، عندما بدءوا يطلقون عليه حرما، على سبيل التشريف، رغم أنها
تسمية غير صحيحة، ولا جائزة .
5. وضعه الحالي:
رغم أن الشؤون الإدارية والمالية للمسجد الأقصى المبارك تدار من قبل دائرة
الأوقاف الإسلامية التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية
الأردنية، إلا أنه محاصر، ومداخله واقعة تحت سيطرة الاحتلال الصهيوني الذي
بدأ للقدس القديمة منذ عام 1967م. وتدعم حكومة الاحتلال، ولو بصورة غير
معلنة، المزاعم الصهيونية بأن الأقصى قائم فوق أنقاض ما يعرف بالهيكل،
وأنه لا معنى لدولة الاحتلال بدون القدس، ولا معنى للقدس بدون"الهيكل"، بن
جوريون- أول رئيس وزراء لدولة الاحتلال الصهيوني.
فالمسجد الأقصى في خطر ... حيث اقتطع جزء من حيطانه هو حائط البراق، وسمى
زورا بحائط المبكى، ومنع المسلمون من الاقتراب منه، كما تعرض المسجد
الأقصى لمحاولات عدة لإحراقه، وتفجيره، وتخريبه، فضلا عن الحفريات
والأنفاق التي تشق تحت أساساته، ما أدى إلى تصدع أجزاء منه، وكذلك، يتم
تقييد حرية المسلمين في الوصول إلى الأقصى للصلاة فيه، وإعماره، أو
ترميمه، فيما يتعرض لعمليات اقتحام متكررة من جانب جنود الاحتلال،
والمتطرفين الصهاينة.
مدينة القدس القديمة المسورة
المحتلة
المسجد الأقصى حق المسلمين، لأنهم ورثة الرسالات السماوية السابقة، وهو
رمز اصطفاء الله تعالى لرسالة الإسلام كخاتمة للرسالات السماوية تصدقها،
وتهيمن عليها. فالمسلمون يؤمنون بجميع الأنبياء السابقين، ويعتبرون
تبجيلهم وتوقيرهم ركنا من أركان دينهم، ومن ثم، فإنهم الأقدر على حماية
هذا المكان المقدس لدى الكثيرين. ولن يسود السلام إلا بعودة الحق لأهله.
ويبقى الأمل .. لأن هذا المكان بقى، وسيبقى، على الرغم من المحن التي عصفت
وتعصف بالمسلمين، حصن الدين، ومعقل الإيمان إلى قيام الساعة، فلا تزال
طائفة منهم على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي
وعد الله.
{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا
اللَّهَ} (التوبة:18)
تحت سقف من القماش.. مازالت الشيخوخة صامدة..
فلسطين أمي.. تنحني الهامات ولكن تبقى خيمتي شامخة..
لم تنكسر رغم العواصف والرعود..
الكهولة تشهد موت الضمير..
حتى هذه اللحظة العالم يغمض عينيه..
ولكن أشجار الزيتون راسخة في أرضها لا تلين
المصلى المرواني ... في وجه العاصفة !
بدايةً لا بدّ أن نعرف أن المصلّى المرواني هو جزءٌ لا يتجزّأ من المسجد
الأقصى المبارك .. فنظرة سريعة إلى التعريف الشامل للمسجد الأقصى تدلّنا
على هذا الأمر .
فالمسجد الأقصى هو الاسم الإسلامي للمعبد العتيق في أرضِ فلسطين ، فهو
مسجد قديم قدم البشرية ، بُنِيَ بعد المسجد الحرام بأربعين سنة ، و عاش في
أكنافه معظم الأنبياء و المرسلين ، و المسجد الأقصى عند العلماء و
المؤرّخين هو كلّ ما هو داخل السور الكبير ذي الأبواب ، و شكل المسجد مضلع
ذو أضلاعٍ أربعة غير منتظمة و تبلغ مساحته 144 دونماً ، سمي بهذا الاسم
لقوله تعالى : (سبحان الذين أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد
الأقصى الذي باركنا حوله لنيره من آياتنا إنه هو السميع البصير) .
و هو أولى القبلتين فبعد فرض الصلاة مكث المسلمون يتجّهون صوبه نحو سبعة
عشر شهراً ، و هو ثاني المسجدين بناءاً بعد المسجد الحرام لما رواه أبو
ذرّ الغفاري ، و هو ثالث الحرمين بعد المسجد الحرام و المسجد النبوي ، إذ
تشدّ الرحال إليه ، كما روي عن الرسول r : "لا تشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة
مساجد إلى المسجد الحرام و إلى المسجد الأقصى و إلى مسجدي هذا" .
فالمصلّى المرواني بهذا التعريف الشامل للمسجد الأقصى يعتبر جزءاً لا يتجزّأ من المسجد الأقصى المبارك .
ما هو المصلى المرواني ؟
يقع المصلى المرواني أسفل الجهة الجنوبية الشرقية من المسجد الأقصى ، و
كان يُطلق عليه قديماً اسم التسوية الشرقية من المسجد الأقصى نسبة إلى
التسوية المعمارية التي بناها الأمويّون في ذلك الموقع ليتسنّى لهم بناء
المسجد الأقصى على أرضية مستوية و أساسات متينة ، حيث قاموا ببناء تلك
الأروقة الحجرية القائمة على دعامات حجرية قوية و التي شكّلت هذه القطاعات
الضخمة التي نراها اليوم كما أثبت أهل الآثار .
و يتكوّن المصلّى المرواني من ستة عشر رواقاً ، و تبلغ مساحته نحو 4000
مترٍ مربع ، و خصّص في زمن عبد الملك بن مروان كمدرسة فقهية و من هنا
اكتسبت اسم المصلّى المرواني .
و في أثناء الاحتلال الصليبي لبيت المقدس استعمله الصليبيون اسطبلاً
لخيولهم و مخزناً للذخيرة و أطلقوا عليه اسم اسطبلات سليمان ، و أعاد صلاح
الدين الأيوبي فتحه للصلاة بعد تحرير بيت المقدس .
و بالنسبة للسقف الحالي للمصلّى فإنه يعود إلى عهد السلطان العثماني
سليمان القانوني ، أما الأعمدة و الأقواس الموجودة في المصلى فإنها تعود
إلى عهد عبد الملك بن مروان .
و نسب الصليبيون اسم اسطبلات لسليمان اعتقاداً منهم أن الموقع يعود لفترة
النبي سليمان عليه السلام ، و من هنا يعتقد كثيرٌ من الناس أن هذا المكان
من بناء سيّدنا سليمان عليه السلام ، و هذا من التلبيس و الدسّ الذي
يستعمله اليهود ، حتى تُنسَب لهم فيما بعد ، لتكون شاهداً على وجودهم على
هذه البقعة منذ الأزل ، و قد أُغلق المصلّى المرواني لسنوات طويلة ، لعدة
عوامل أهمّها اتساع المكان العلويّ ، و قلة عدد شادّي الرحال إليه ، إلاّ
أن صعود التيار الإسلامي ساهم في مضاعفة عدد المصلّين و تعميق الوعي
الإسلامي بمعاني شدّ الرحال ، حيث لم تعدْ الظروف داخل المسجد الأقصى تكفي
لاستيعاب الكمّ الهائل من المصلّين ، مما أوجب ضرورة إعادة افتتاحه و
تحويله إلى مصلّى و أطلقوا عليه اسم المصلّى المرواني ، نسبة إلى مؤسسه
الحقيقي .
ترميمٌ و تعجيلٌ بافتتاح المرواني
في مطلع التسعينات أطلقت الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني و رئيسها
الشيخ رائد صلاح مبادرة لإصلاح و ترميم المصلّى و نفّذ العمل على مراحل عن
طريق مؤسسة الأقصى لإعمار المقدّسات الإسلامية و تحت إشراف هيئة الأوقاف و
لجنة الإعمار في المسجد الأقصى المبارك ، و كانت المرحلة الأولى هي تبليط
و تجهيز المصلّى للصلاة ، وقد بُدِئ العمل فيه في شهر 7/ 1996م لينتهي في
شهر 11/96 ، ليفتتح مباشرة للصلاة أمام جموع المسلمين ، و قد شارك في
العمل آلاف من الشباب المتطوّعين الذين قدِموا من الجليل و المثلث و النقب
، حيث هُيّئت أرضيّته و بُلّطت الأرضية بالرخام اللائق ، و تمت إنارته
بالكهرباء ، و ما مساحته ما يقارب 4000 متر لاستقبال المصلّين ، و صُمّم
له محرابٌ خشبيّ جميل و فُرش بالسجاد و تم الانتهاء من تجهيزه في فترة
زمنية قصيرة جداً ، فقد قدّرت المدة المطلوبة لتجهيز المصلّى بحوالي
العامين ، ليتم تنفيذ العمل في مدة أربعة أشهر بعد تيسيرات المولى عز و
جلّ ، الأمر الذي أذهل السلطات الصهيونية ، حيث قامت بحملة إعلامية ضخمة
ضد العمل .
أما المرحلة الثانية فتمّ خلالها تبليط سطح المصلّى العلوي ، ففي عام 97 -
98 باشرت مؤسسة الأقصى ترميم المسطّح العلوي للمصلّى المرواني لمنع تسرّب
المياه إليه ، و تم تبليط 7000 متر مربع ، و قام بتنفيذ الأعمال آلاف
العاملين من المسلمين و أبناء الصحوة المباركة في الداخل الفلسطيني .
و بعد فترة من الزمن ، و بعد أن بات اليهود يتحدّثون بصورة عملية عن
الاستيلاء على المصلّى المرواني ، و بالأخص بعدما أقاموا مدرّجاً من جهة
الجنوب مقابل الباب الثلاثي المغلق منذ مئات السنين و لكنه يدخل إلى
المصلّى المرواني , إشارة منهم إلى أنهم سيحوّلون هذا المصلّى إلى كنيسٍ
لهم , في ظلّ هذه الظروف باشر أعضاء مؤسسة الأقصى بإشراف هيئة الأوقاف و
لجنة الإعمار في المسجد الأقصى فتح بوابتين عملاقتين من الجهة الشمالية
للمصلّى المرواني كانتا قد أغلقتا منذ زمن قديم (بعد الزلزال الذي أصاب
المسجد الأقصى و دمّر كثيراً من أجزائه اضطر المسلمون إلى إغلاق الأبواب و
وضع مخلّفات الزلزال من التراب و الحجارة عليها مما أدّى إلى دفنها و
إخفائها) .
بدأ أعضاء المؤسّسة مشروعهم الجبّار فعملوا ليل نهار على استباق الحدث و
إحداث ردّ عمليّ حقيقي لنجدة المصلّى المرواني من أطماع المتطرفين اليهود
, و كان هذا الأمر و الحمد لله ربّ العالمين , و استمرّ العمل بعد ذلك و
تمّ بناء درَجٍ كبير يؤدّي إلى هذه البوابات (انتهى العمل فيه في شهر
5/2000) ، كما و تمّ تبليط العديد من الساحات الشرقية المؤدّية إلى درَج و
أبواب المصلّى المرواني الجديدة ، لتصبح المساحة المبلّطة ما يقارب من
5000 متر مربع ، و تم كذلك بناء جدارٍ صخريّ لمنع انهيار التراب ، و كذلك
إنشاء و بناء مضخّة مياهٍ تضخّ مياه الأمطار التي تتجمّع أمام البوابات ،
و تم تركيب خط إطفائية ، و خط أنابيب مياه يصل إلى بوابات المرواني
الجديدة ، حيث تم بناء سبل مياه للشرب ، و تم العمل لإزالة أكوام التراب
من الناحية الشرقية المحاذية للبوابات .
و في (4/12/1999) تمّ فتح البوابات العملاقة للمصلّى المرواني ، ليستوعب
أكثر من ستة آلاف مصلٍ داخل المصلّى المرواني و مثلهم على سطحه العلوي .
أطماع يهودية جديدة - قديمة بالمصلّى المرواني :
أطماع اليهود بالمسجد الأقصى أطماع قديمة و تحديداً أطماعهم بالمصلّى
المرواني ، فقد أثار الصهاينة ضجّة كبيرة ضد عملية الإصلاح و الترميم في
المصلّى المرواني التي قامت بها مؤسسة الأقصى و هيئة الأوقاف و كتبت الصحف
العبرية حين ذاك أن المسلمين يقيمون مسجداً سرّياً تحت المسجد الأقصى ،
هذه الضجة التي أثارها الصهاينة ترجِع بالدرجة الأولى إلى وجود مخطّطات
داخل الحكومة الصهيونية لتحويل هذا المصلّى إلى كنيسٍ يهودي في إطار
تسويةٍ ما للقضية الفلسطينية ، و لا أدلّ على ذلك مما فعله باراك عام 1999
، ففي 3/أكتوبر قامت حكومة باراك ببناء درَجٍ حتى السور الذي هو حائط
المصلّى المرواني و الحدّ الجنوبي للمسجد الأقصى المبارك ، و قد افتتحه
باراك نفسه و ادعى كذِباً أن هذا المكان مدخل الهيكل .
و في إشارة واضحة للأطماع اليهودية في المصلّى المرواني برزت حين اقتحم
آرئيل شارون 28/9/2000 المسجد الأقصى و حاول دخول المصلّى المرواني عبر
باحات المسجد الأقصى مدنّساً حرمة المكان ، الأمر الذي أدّى إلى اندلاع
انتفاضة الأقصى ، و من يومها منعت دائرة الأوقاف الإسلامية دخول اليهود و
السيّاح الأجانب إلى باحات المسجد الأقصى ، إلى أن فرض و بعد مرور ثلاثة
سنوات وزير الأمن الداخلي "تساحي هنغبي" السماح بدخول اليهود و الأجانب
إلى ساحت المسجد الأقصى و الذين حاولوا مراراً و تكراراً أداء شعائر دينية
مشبوهة أمام المصلّى المرواني و في أماكن أخرى من المسجد الأقصى .
المرواني .. وسط عاصفة إعلامية ترهيبيّة :
في الأول من نيسان 2004 نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية خبراً مفاده
أن تقريراً سرياًّ قُدّم لرئيس الوزراء الصهيونيّ آرئيل شارون يوصي بإغلاق
المصلّى المرواني و محيطه أمام المصلّين المسلمين ، و ادعى التقرير أنه
بسبب الزلزال الذي حدث في فبراير 2004 فإن الجدار الشرقيّ للمسجد الأقصى
يتهدّده خطر الانهيار الفوري ، مما قد يتسبّب بانهيار المصلّى المرواني .
و في 30/6/2004 حاولت الشرطة الصهيونيّة بالقوة منع إتمام عمليات الترميم
و الإصلاح كانت تقوم بها دائرة الأوقاف في مدخل المصلّى المرواني تهدف إلى
وقف تدفّق مياه الأمطار في فصل الشتاء إلى داخل المصلّى .
و في 26/9/2004 بدأت المؤسسة الصهيونيّة و أذرعها المختلفة بحملة إعلامية
واسعة النطاق حول أخطار انهيار المصلّى المرواني بسبب اكتظاظه بالمصلّين
خلال شهر رمضان المبارك ، و أصدر رئيس الحكومة الصهيونيّة آرئيل شارون
أوامر مغلّفة للأجهزة الأمنية الصهيونيّة بإغلاق المرواني و منع الصلاة
فيه بحجة منع "كارثة إنسانية"- حسب زعمه - ، و سارعت دائرة الأوقاف
الإسلامية و مؤسسة الأقصى بالردّ على الادعاءات الصهيونيّة و أكّدت أن
المصلّى المرواني بخير و أن وضعه الإنشائي مستقرّ .
التصريحات الصهيونيّة بإغلاق المصلّى المرواني بحجة خطر انهيارٍ تسارعت
بشكلٍ ملفت ، فبعد يومٍ واحدٍ من تصريحات شارون خرج القائم بأعمال وزير
الأمن الداخلي "جدعون عزرا" ليقول : "إن (إسرائيل) ستحدّد عددَ المسموح
لهم بالدخول إلى الأقصى إذا لم تحلّ إشكالية الترميمات في المصلّى
المرواني" ، لتُسرّب بعد أيام معلومات بأن سلطات الاحتلال ستغلق نصف
المصلّى المرواني .
و في 12/10/2004 قالت المؤسسة الصهيونيّة إن هناك "اتفاقاً معيّناً"
بإغلاق جزءٍ من المرواني ، إلا أن دائرة الأوقاف كَذّبت هذه الرواية و
قالت إن الحقيقة هي منطقة صغيرة تجري فيها الآن أعمال ترميم في المصلّى
المرواني أغلقت للمحافظة على سلامة المصلّين ، و بعد يومٍ واحدٍ فقط نشرت
الصحافة العبريّة تقريراً مفصّلاً بأنه سيتمّ عزل مدينة القدس و محاصرة
الأقصى و أن السلطات الصهيونيّة لن تسمح إلا لـ 50 ألف مصلٍّ فقط بالدخول
إلى المسجد الأقصى في يوم الجمعة الأول من شهر رمضان .
تراجع شارونيّ :
عشيّة شهر رمضان المبارك و ظهر يوم الخميس 14/10/2004 و بعد اقتحام القائد
العام للشرطة الصهيونيّة "موشيه كرداي" للمسجد الأقصى و المصلّى المرواني
و الاطّلاع على الأوضاع فيه ، يخرج بتصريحٍ بأن الحرم القدس آمن بالنسبة
للمصلّين و يقول : "إن الحرم القدسي آمنٌ بالنسبة للمصلّين ، بعد إجراءات
عمليّات صيانة في الـ 48 الساعة الأخيرة و ذلك بأمرٍ من الأوقاف الإسلامية
و بالتعاون مع الأردن و باستشارة خبراء في المجال العمراني" ، بعد ساعاتٍ
قلائل ، و إجراء مشاورات في مكتب رئاسة الحكومة الصهيونيّة يتراجع شارون
عن تحديد عدد المصلّين في الأقصى يوم الجمعة الأول من شهر رمضان بعد حملة
الترهيب و التخويف الواسعة من انهيار المصلّى المرواني .
و رغم أن القدس و محيط المسجد الأقصى كانا يوم الجمعة الأخيرة أشبه
بالثكنة العسكرية إلاّ أن نحو 100 ألف وصلوا من القدس و من مدن و قرى
الداخل الفلسطيني ليصلّوا في المسجد الأقصى المبارك و أنحاء المصلّى
المرواني ..
و يبقى التساؤل .. ؟!!
يوم الخميس الأخير 14/10/2004 كان يوماً حافلاً بالأحداث و التصريحات
بالنسبة للمصلّى المرواني ، فقد ذكرت مصادر أمنية صهيونيّة إن تراجع شارون
عن قراره بتحديد الأعداد التي يسمح لها بالصلاة في المسجد الأقصى إنما جاء
بعد قبول رئيس الوزراء شارون بالتوصيات التي رفعها قائد الشرطة الصهيونيّة
العام في أعقاب "اتفاقٍ" مع الأوقاف الإسلامية و الأردن على إغلاق أجزاء
من المصلّى المرواني لن يسمح للمصلّين بالاقتراب منها خشية الانهيار – حسب
الرواية الصهيونيّة – ،كما جاء على لسان المتحدّث باسم الشرطة الصهيونيّة
"جيل كلايمان" بأن القائد العام للشرطة الصهيونية قد قام يوم الخميس
الأخير يرافقه قائد شرطة القدس بجولة في ساحات الأقصى اطّلع خلالها على
أعمال الترميم و تدابير السلامة !! .
رواية هيئة الأوقاف الإسلامية تختلف تماماً و تؤكّد كما قال الشيخ محمد
حسين – مدير و خطيب المسجد الأقصى - : "أن أعمال الصيانة جارية الآن في
جزءٍ من قاعة الصلاة التي ستقفل أمام المصلّين و قد أغلق ممرّ أو ممرّان
أمام المصلّين" – صحيفة القدس - ..
و كانت فرق الهندسة الفلسطينية و الأردنيّة و المصريّة أعلنت سابقاً أن
قاعة الصلاة التي تستطيع استيعاب أكثر من 5000 مصلٍّ ليست معرّضة لخطر
الانهيار ، و من جهته قال مدير الأوقاف عدنان الحسيني لصحيفة القدس إن
قاعة الصلاة لا تشكّل أيّ خطر ، متّهماً الكيان الصهيونيّ بالحديث عن خطر
الانهيار لأسباب سياسية ، و أكّد الحسيني : "أن المصلّين لن يستطيعوا
الصلاة في الجزء الكائن تحت الأقصى من المصلّى المرواني حيث الأعمال جارية
، و لا في الجزء من المسجد الأقصى الذي يستخدم سقفاً لهذه القاعة" ، و
كانت بالفعل قد وضعت دعائم و حواجز لمنع المصلّين من دخول ثلاث أروقة
قصيرة في المرواني و منطقة ضيّقة على سطحه العلوي للمحافظة على سلامة
المصلّين .
هذه التصريحات و الأحداث المتسارعة دفعت صحيفة القدس الفلسطينية إلى أن
يتصدّر عنوانها الرئيسي صباح الجمعة : "بعد اتخاذ الأوقاف تدابير تبعد
المصلّين عن مناطق الخطر – السلطات (الإسرائيلية) تراجعت عن تقليص عدد
المصلين ، السماح لحاملي الهوية الزرقاء فقط بدخول الأقصى اليوم" .
الإعلام الصهيونيّ لم يمرّ على أحداث و تصريحات الخميس مرّ الكرام بل
جعلها مادة للتحليلات و التفسيرات ، مما جعل الصحافي الصهيونيّ "عامي بن
دافيد" في خبرٍ له في صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبريّة صباح الجمعة يقول :
"إن (إسرائيل) ترى أنها حقّقت في قضية الحرم القدسي – المصلّى المرواني -
نجاحاً باتجاهين ، الأول القبول بالشروط (الإسرائيلية) كلّها ، و ثانيها
تبنّي وجهة النظر (الإسرائيلية) بأن مبنى المصلّى المرواني يتهدّده الخطر"
.
هذا التحليل الصهيونيّ و التفسير ليس عفوياً ، بل يقصد منه التركيز على أن
السيادة و السيطرة على المسجد الأقصى هي للمؤسسة الصهيونيّة و يمكنها أن
تفرض هذه السيطرة بأساليب مختلفة .
و لذا فالسؤال الذي يطرح نفسه : هل توقّفت الأطماع الصهيونيّة بالمسجد
الأقصى و المصلّى المرواني عند هذا الحدّ .. ؟! أم أنها الخطوة الأولى في
فرض المزيد من السيطرة على أنحاء من المسجد الأقصى المبارك ؟! و هل سيخرج
المسجد الأقصى و المصلّى المرواني سالماً و صامداً في وجه هذه العاصفة ؟!!
.
قبة الصخرة المشرفة
كيف تبكي؟ وهل هناك دموع؟
ذهب الأهل والهوى والربيع
كل يوم أحبه تتهاوى
وقبور غريبة وجموع
لا التراب الذي يضم شظاياهم
تراب ولا الربوع ربوع
تعتبر قبة الصخرة المشرفة إحدى أهم المعالم المعمارية الإسلامية في
العالم: ذلك أنها إضافة إلى مكانتها وقدسيتها الدينية، تمثل أقدم نموذج في
العمارة الإسلامية من جهة. ولما تحمله من روعة فنية وجمالية تطوي بين
زخارفها بصمات الحضارة الإسلامية على مر فتراتها المتتابعة من جهة أخرى،
حيث جلبت انتباه واهتمام الباحثين والزائرين وجميع الناس من كل بقاع
الدنيا لما امتازت به من تناسق وانسجام بين عناصرها المعمارية والزخرفية
حتى اعتبرت آية من في الهندسة المعمارية .
تتوسط قبة الصخرة المشرفة تقريباً ساحة الحرم الشريف، حيث تقوم على فناء
(صحن) يرتفع عن مستوى ساحة الحرم حوالي 4م، ويتوصل إليها من خلال البوائك
(القناطر) التي تحيط بها من جهاتها الأربع .
بنى هذه القبة المباركة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (65-86هـ/
684-705م)، حيث بدأ العمل في بنائها سنة 66هـ/ 685م، وتم الفراغ منها سنة
72هـ/ 691م. وقد اشرف على بنائها المهندسان العربيان رجاء بن حيوة وهو من
بيسان فلسطين ويزيد بن سلام مولى عبد الملك بن مروان وهو من القدس (1) .
وقد وضع تصميم مخطط قبة الصخرة المشرفة على أسس هندسية دقيقة ومتناسقة تدل
على مدى إبداع العقلية الهندسية الإسلامية، حيث اعتمد المهندس المسلم في
تصميم هيكلها وبنائها على ثلاث دوائر هندسية ترجمت بعناصر معمارية لتشكل
فيما بعد هذا المعلم والصرح الإسلامي العظيم. وما العناصر المعمارية
الثلاثة التي جاءت محصلة تقاطع مربعين متساويين فهي: القبة التي تغطي
الصخرة وتحيط بها، وتثمينتين داخلية وخارجية تحيطان بالقبة نتج فيما
بينهما رواق داخلي على شكل ثماني الأضلاع (2) . (أنظر لوحة رقم 1،2) .
فأما القبة التي جاءت بمثابة الدائرة المركزية التي تحيط بالصخرة فإنها
تجلس على رقبة تقوم على أربع دعامات حجرية (عرض كل منها ثلاثة أمتار)
واثنين عشر عموداً مكسوة بالرخام المعرق، تحيط بالصخرة بشكل دائري ومنسق
بحيث يتخلل كل دعاة حجرية ثلاثة أعمدة رخامية. وتتكون القبة من طبقتين
خشبيتين داخلية وخارجية وقد نصبتا على إطار خشبي يعلو رقبة القبة. كما
زينت القبة من الداخل بالزخارف الجصية المذهبة، وأما من الخارج فقد صفحت
بالصفائح النحاسية المطلية بالذهب .
وأما رقبة القبة فقد زينت من الداخل بالزخارف الفسيفسائية البديعة، كما فتح فيها ست عشرة نافذة لغرضي الإنارة والتهوية .
وأما التثمينة الداخلية فتحتوي على ثماني دعامات حجرية يتخللها بين كل
دعامة وأخرى عمودان من الرخام تعلوها عقود نصف دائرية متصلة ببعضها البعض
بواسطة جسور خشبية مزخرفة، حيث زينت هذه العقود بالزخارف الفسيفسائية
المطلية بالذهب .
وأما التثمينة الخارجية فتتألف من ثماني واجهات حجرية، فتح في أربع منها
المقابلة للجهات الأربع باب، كما فتح من كل واجهة منها خمسة شبابيك. وقد
كسيت الواجهات من الداخل بالبلاط الرخامي الأبيض.
وأما من الخارج فقد كسي القسم السفلي للواجهات بالبلاط الرخامي الأبيض.
وأما من الخارج فقد كسي القسم السفلي للواجهات بالبلاط الرخامي الأبيض
والقسم العلوي بالقاشاني، علماً بأنها كانت مكسوة بالفسيفساء المزخرفة في
الفترة الأموية (3) . وكما تم تغطية سقفي الرواقين الممتدين من التثمينة
الخارجية وحتى القبة بجمالونات خشبية صفحت من الداخل بألواح خشب دهنت
وزخرفت بأشكال مختلفة، وأما من الخارج فقد صفحت بألواح من الرصاص .
وأما القياسات الهندسية لأبعاد القبة فقد جاءت على النحو التالي:
قطر القبة الداخلي (29,44م) وارتفاع رقبتها (9,8م). قطر المبنى بشكل عام
(52م) وارتفاعه (54م) وأما أضلاع المثمن فيبلغ طول كل منها (20,60م) على
ارتفاع (9,5). علماً بأن أبعاد الصخرة المشرفة نفسها (17,70م و 13,50م)
(4) . ويقوم أسفل الصخرة المشرفة كهف صغير يعرف بالمغارة، مربع الشكل
تقريباً (4,5 م2) ومتوسط ارتفاعه 3 م. وقد أقيم في جهته القبلية محرابان،
أحدهما وهو الواقع في الجانب الشرقي للمغارة يعود إلى تاريخه للفترة
الأموية والثاني في الجانب الغربي لها والذي يعود تاريخه لفترات متأخرة .
تاريخ بناء قبة الصخرة المشرفة
الأمويون هم من بنى قبة الصخرة
لقد بات معروفاً تماماً أنه تم الفراغ من بناء قبة الصخرة المشرفة عام
76هـ/ 691م أي في فترة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان (65-86هـ/
684-705م)، وذلك حسب النص المادي والموجود حتى يومنا الحاضر والذي يتمثل
بالنقش التذكاري المعمول من الفسيفساء المذهبة بالخط الكوفي الأموي
والواقع أعلى التثمينة الداخلية للقبة في الجهة الشرقية الجنوبية منها (5)
.
يقول النص (( .. بنى هذه القبة عبدالله الإمام المأمون أمير المؤمنين في
سنة اثنتين وسبعين تقبل الله منه ..)) وهنا لا للقارئ أن يتساءل كيف تداخل
اسم "المأمون" الخليفة العباسي (198-218 هـ/ 813 – 833م) مع التاريخ 72 هـ
.
والجواب هنا أنه أثناء أعمال الترميم التي جرت في فترة الخليفة العباسي
المأمون، قام أحد الفنيين بتغيير اسم عبد الملك الخليفة الأموي مؤسس وباني
قبة الصخرة، ووضع مكانه اسم "المأمون" ولكنه نسي أن يغير التاريخ حيث تم
اكتشاف الأمر بسهولة، ولا نظن هنا أنه كان للمأمون رياً في هذا الأمر،
وإنما جاء من قبيل الصدفة على يدي أحد الصناع .
ولكننا نقول حتى ولو تم تغيير التاريخ فإنه من الصعب القبول به: ذلك أن
التحليل المعماري لمخطط قبة الصخرة يعود بعناصره وزخارفه إلى الفترة
الأموية (6) وليست العباسية إضافة إلى ما ورد في المصادر التاريخية (7) من
نصوص تؤكد أن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان هو نفسه الذي قام ببناء
هذه القبة وصرف على بنائها خراج مصر لسبع سنين .
فلو أجرينا حسابات للمبالغ الطائلة التي أنفقت لبناء هذا المعلم الحضاري،
والذي رصد لبنائه خراج أكبر ولاية إسلامية (مصر) ولمدة سبع سنوات فإننا
سنجدها اليوم تقدر بملايين الدولارات. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على
الاستقرار والرخاء الذي كان يعم الخلافة الإسلامية في الفترة الأموية
والتي تعكس تأثير القوة الاقتصادية لهذه الخلافة الإسلامية الحديثة أمام
الإمبراطوريتين العظميين البيزنطية والفارسية في ذلك الوقت .
وهذا يقودنا إلى السؤال عن السبب الكامن خلف بناء قبة الصخرة بهذه الفخامة
والعظمة، فمما لا شك فيه أن السبب المباشر في بناء هذه القبة هو السبب
الديني حيث لولا وجود "الصخرة" بالتحديد التي عرج عنها رسول الله صلى الله
عليه وسلم، حسب ما هو مثبت في العقيدة الإسلامية لما ورد في القرآن الكريم
والأحاديث الشريفة والروايات التاريخية المنقحة، فلولا وجود هذه الصخرة
كرمز ديني إسلامي ارتبطت بمعجزة الإسراء والمعراج لما قدم الخليفة عبد
الملك بن مروان ليشيد هذه القبة فوقها .
وهذا يجعلنا نستبعد التبرير السياسي الذي أورده اليعقوبي (8) ، واتهم فيه
الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بنية تحويل قبلة الحجاج عن الكعبة
المشرفة في مكة المكرمة إلى الصخرة في بيت المقدس مانعاً في ذلك مبايعة
الحجاج لعبدالله بن الزبير في مكة. إذ لا يخفى عن بال كل فطين شيعية
المؤرخ اليعقوبي ومدى معارضته للخلافة الأموية التي أكثر من تشويه صورتها
أمام الخلافة العباسية .
فليس من المنطق إذن أن نقبل رواية مدسوسة على الخليفة الذي حكم فترة تزيد
عن العشرين سنة وعرف عنه خلالها الحزم والحكمة السياسية وقوة الإرادة وبعد
النظر والاهتمام بالعقيدة الإسلامية، فكيف يعقل لخليفة في مثل هذه الصفات
وصاحب تاريخ عظيم، أن يقدم على التلاعب بركن من أركان الإسلام (الحج) بهذه
البساطة التي يرويها اليعقوبي .
ولكننا نتساءل هل كان ضرورياً أن يبنيها بهذه العظمة والفخامة، إذ كان
يستطيع أن يبنيها بشكل أبسط وغير مكلف، ولكن إذا أمعنا النظر بالظروف التي
أحاطت بتلك الفترة عشية بناء القبة وحللناها نجد أنه كان لا بد لأمير
المؤمنين الخليفة عبد الملك بن مروان أن يبني هذه القبة بهذا الشكل لإظهار
عظمة وقوة الخلافة الإسلامية الحديثة في حينها أمام القوتين العظميين
الفرس والروم. ذلك أنه إبان الفتوحات الإسلامية لبلاد الشام، كان السكان
في هذه البلاد إما نصارى أو وثنيين ومنهم من دخل الإسلام مع الفتوحات،
ولكنهم بقوا ضعفاء الإيمان فكيف لا وهم اعتادوا على رؤية الحضارة
البيزنطية تتألق من خلال مبانيها الفخمة مثل الكنائس والقلاع وخاصة كنيسة
القيامة في القدس الشريف وكنيسة المهد في بيت لحم (9). فما كان للخليفة
الأموي إلا أن يبني هذه القبة العظيمة محاكياً فيها العمارة البيزنطية
ليبين ويثبت للسكان مدى وقوة الدولة الإسلامية الجديدة .
وقد أكد هذا السبب المؤرخ الجليل المقدسي المتوفى عام 985م حينما وضحه
أثناء مناقشته مع عمه (البناء) بخصوص العمارة الأموية في عهد الخليفة عبد
الملك بن مروان وولده الوليد، حيث يقول في ذلك ما نصه على لسان عمه (10)
((.. ألا ترى أن عبد الملك لما رأى عظم قبة القمامة (القيامة) وهيئتها خشي
أن تعظم في قلوب المسلمين فنصب على الصخرة قبة على ما ترى ..)) .[/size]
المسلمون والمحافظة على قبة الصخرة
وقد اهتم المسلمون برعاية وعناية قبة الصخرة المشرفة، على مر الفترات
الإسلامية المتعاقبة، وبخاصة بعد ما كان يحدث بها من خراب جراء التأثيرات
الطبيعية مثل الهزات الأرضية، والعواصف والأمطار والحرائق. فلم يتأخر أي
خليفة أو سلطان في ترميمها والحفاظ عليها .
العباسيون
إن ما شاع عن العباسيين أنهم لم يهتموا بالحرم الشريف وعمارته ليس صحيحاً،
فقد أشرنا سابقاً إلى أنهم حافظوا قدر استطاعتهم على عمارته، ولكن على ما
يبدو دون تغيير ملموس في ذلك الطابع المعماري الذي نفذه الأمويون، فقد قام
الخليفتان المنصور والمهدي بترميم المسجد الأقصى المبارك بعد الخراب الذي
أصابه جراء الهزات الأرضية التي حدثت في تلك الفترات والذي سنأتي على شرحه
لاحقاً .
ففي سنة 216هـ/ 831م، زار الخليفة العباسي المأمون (198-218 هـ/ 813 –
833م) بيت المقدس وكان قد أصاب قبة الصخرة شيء من الخراب فأمر بترميمه
وإصلاحه، والأمر تطور على ما يبدو ليصبح مشروع ترميم ضخم اشتمل على قبة
الصخرة المشرفة، مما حدا بالمأمون أن يضرب فلساً يحمل اسم القدس لأول مرة
في تاريخ مدينة القدس وذلك في سنة 217 هـ كذكرى لإنجاز ترميماته تلك .
وفي عهد الخليفة العباسي المقتدر بالله (295 –320/ 908 – 932م)، في سنة
301 هجرية/ 913 ميلادية، تمت أعمال ترميمات خشبية في قبة الصخرة اشتملت
على إصلاح قسم من السقف وكذلك عمل أربعة أبواب خشبية مذهبة بأمر من أم
الخليفة المقتدر، حيث تم الكشف عن ذلك من خلال شريط كتابي مكتوب بالدهان
الأسود وجد على بعض الأعمال الخشبية في القبة، حيث كتب عليها ما نصه (11)
:
بسم الله الرحمن الرحيم، بركة من الله لعبد الله جعفر الإمام المقتدر
بالله أمير المؤمنين حفظه الله لنا، مما أمرت به السيدة أم المقتدر بالله
نصرها الله، وجرى ذلك على يد لبيد مولى السيدة، وذلك في سنة إحدى
وثلثماية)) .
الفاطميون
وفي الفترة الفاطمية تعرضت فلسطين لهزات أرضية عنيفة: منها التي حدثت سنة
407 هـ/ 1016 م، والتي أدت إلى إصابة قبة الصخرة وإتلاف بعض أجزاء القبة
الكبيرة (12)، حيث بدئ بترميمها في عهد الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله
(386 – 411هـ/ 996-1021) واستكمل في عهد ولده الخليفة الظاهر لإعزاز دين
الله (411-427هـ/1021-1036م). وقد اشتملت الترميمات على القبة وزخارفها
وتمت على يدي علي بن أحمد في سنة 413هـ/1022 م، وذلك حسب ما ورد في الشريط
الكتابي الواقع في الدهليز الموجود في رقبة القبة (13) .
الاحتلال الصليبي
لقد عانت قبة الصخرة كثيراً مثلما عانت معظم المساجد الإسلامية في فلسطين من الاحتلال الصليبي .
فعندما احتل الصليبيون بيت المقدس سنة 493هـ/ 1099م، قاموا بتحويل مسجد
قبة الصخرة إلى كنيسة عرفت بذلك الوقت باسم "هيكل السيد العظيم/ Temple
Domini (14)، فانتهكوا قدسيتها وبنوا فوق الصخرة مذبحاً ووضعوا فيها الصور
والتماثيل. مبيحين في ذلك ما حرمه الإسلام في أماكنه المقدسة .
ومن الطريف بالأمر أن قساوسة ذلك الوقت اعتادوا على المتاجرة بأجزاء من
الصخرة، كانوا يقتطعوها من الصخرة ليبيعوها للحجاج والزوار ليعودوا بهذه
القطع إلى بلادهم بحجة التبرك والتيمن بها. وعلى ما يبدو أنها كانت تجارة
رابحة جداً للقساوسة، حيث كانون يبيعون تلك القطع بوزنها ذهباً، الأمر
الذي حدا بملوك الفرنج إلى كسوة الصخرة بالرخام وإحاطتها بحاجز حديدي مشبك
لحمايتها والإبقاء عليها خوفاً من زوالها إذا استمر القساوسة بهذه التجارة
(15) .
الأيوبيون
ولم يشأ الله عز وجل أن يطيل معاناة قبة الصخرة المشرفة من ذلك الاحتلال
الغاشم، حتى هيأ سبحانه وتعالى القائد الجليل صلاح الدين (564 – 589
هجرية/ 1169-1193 ميلادية) لتحرير فلسطين واستردادها من الصليبيين سنة
583هجرية/ 1187 ميلادية (16) .
وبذلك تطهرت قبة الصخرة المشرفة من النجس الذي كان عالقاً بها، حيث قام
صلاح الدين بإعادتها إلى ما كانت عليه قبل الصليبيين وإزالة جميع بصماتهم
التي وضعوها عليها، فقد قام بإزالة المذبح الذي أضافوه فوق الصخرة والبلاط
الرخامي الذي كسوا به الصخرة والصور والتماثيل، وكذلك أمر بعمل صيانة
وترميم لما يحتاجه المبنى، حيث تم تجديد تذهيب القبة من الداخل وذلك حسب
ما نجده اليوم مكتوباً من خلال الشريط الكتابي الواقع بداخل القبة والذي
جاء فيه ما نصه (17) : ((بسم الله الرحمن الرحيم. أمر بتجديد تذهيب هذه
القبة الشريفة مولانا السلطان الملك الناصر العالم العادل العامل صلاح
الدين يوسف بن أيوب تغمده الله برحمته. وذلك في شهور سنة ست وثمانين
وخمسمائة)) .
هذا ولم يغفل المجاهد صلاح الدين عن متابعة مبنى قبة الصخرة والحفاظ
عليها، فنراه قد رتب للمسجد إماماً وعين لخدمته سدنة ووقف عليه الوقوفات
لكي ينفق ريعها لصالح قبة الصخرة المشرفة (18) .
وقد استمر الأيوبيون بعد صلاح الدين بالاهتمام بقبة الصخرة والحفاظ عليها،
حيث تشير المصادر التاريخية (19) إلى أن معظمهم كانوا يكنسون الصخرة
بأيديهم ثم يغسلونها بماء الورد باستمرار لتظل نظيفة معطرة، كما أن الملك
العزيز عثمان بن صلاح الدين (589-595 هجرية/ 1193-1198ميلادية)، قام بوضع
الحاجز الخشبي الذي يحيط الصخرة (20) لحمايتها بدلاً من الحاجز الحديدي
الذي وضعه الصليبيون .
المماليك
وفي الفترة المملوكية لم ينس سلاطين المماليك متابعة الاهتمام بقبة الصخرة
والحفاظ عليها. فقد قام السلطان الملك الظاهر بيبرس (658 – 676هجرية/ 1260
– 1277ميلادية) بتجديد الزخارف الفسيفسائية التي تكسو الأقسام العلوية
الواقعة في واجهات التثمينة الخارجية وذلك سنة 699 هجرية/ 1270 ميلادية
(21) .
أما السلطان الناصر محمد بن قلاوون وفي فترة سلطنته الثالثة (709
–741هجرية/ 1309-1340 ميلادية) والذي اعتبر من مشاهير سلاطين المماليك
الذين اهتموا بالإنجازات المعمارية بصورة عامة، مثله مثل الوليد بن عبد
الملك في الفترة الأموية، فقد قام السلطان ابن قلاوون بأعمال صيانة وترميم
عديدة في قبة الصخرة نذكر منها: تجديد وتذهيب القبة من الداخل والخارج في
سنة 718 هجرية/ 1318 ميلادية) وذلك حسب ما ورد بالشريط الكتابي الموجود في
أعلى رقبة الداخلية حيث جاء ما نصه (22) ((بسم الله الرحمن الرحيم. أمر
بتجديد وتذهيب هذه القبة مع القبة الفوقانية برصاصها مولانا ظل الله في
أرضه القائم بسنته وفرضه السلطان محمد بن الملك المنصور الشهيد قلاوون
تغمده الله برحمته. وذلك في سنة ثمان عشرة وسبع مائة)). وكما أنه قام
بتبليط فناء (صحن) قبة الصخرة المشرفة الذي يحيط بها .
وفي عهد السلطان الملك الظاهر برقوق وفي فترة سلطنته الأولى
(784-791هجرية/ 1382 –1389ميلادية)، تم تجديد دكة المؤذنين الواقعة إلى
الغرب من باب المغارة مقابل الباب الجنوبي (القبلي) لقبة الصخرة، وذلك في
سنة 789هجرية/ 1387ميلادية) على يدي نائبه بالقدس محمد بن السيفي بهادر
الظاهري نائب السلطنة الشريفة بالقدس وناظر الحرمين الشريفين، حسب ما ورد
في النص التذكاري الموجود عليها (23) .
وفي عهد السلطان الملك الظاهر جقمق (842 – 857هجرية/ 1438 – 1453ميلادية)،
تم ترميم قسم من سقف قبة الصخرة الذي تعرض للحريق إثر صاعقة عنيفة (24) .
وقد حافظ سلاطين المماليك على استمرارية صيانة وترميم قبة الصخرة والحفاظ
عليها إما عن طريق الترميمات الفعلية أو عن طريق الوقوفات التي كانت
بمثابة الرصيد المالي الدائم لكي يضمن النفقات والمصاريف على مصلحة مسجد
قبة الصخرة المشرفة. فعلى ما يبدو أنه في حال لم يكن هناك ترميمات، اهتم
السلاطين برصد الأموال اللازمة لها في حين الحاجة، فنجد السلطان الملك
الأشرف برسباي (825-841هجرية/ 1422-1437ميلادية)، قد أمر بشراء الضياع
والقرى ووقفها لرصد ريعها للنفقة على قبة الصخرة المشرفة، حيث جاء في النص
الوقفي ما نصه (25) : ((جدده وأنشأه ناظر الحرمين الشريفين أثابه الله
الجنة وهو مشتراه مما ثمره من مال الوقف من أجور المسقفات في كل شهر ألفا
درهم خارجاً عن تكملة جوامك المستحقين وما جدده وأنشأه من الحمام الخراب
بحارة حواصل قرية العوجاء والنويعمة بالغور ومرتب الجرجان الواردين تمامه
وأن يصرف جميع متحصل ذلك برسم عمارة المسجد الأقصى الشريف والصخرة الشريفة
مهما حصل من ذلك يرصد حاصلاً لصندوق الصخرة المشرفة أرصد ذلك جميعه برسم
العمارة خاصة إرصاداً صحيحاً شرعياً بمقتضى المرسوم الشريف المعين تاريخه
أعلاه ورسم أن ينقش ذلك في هذه الرخامة حسنة جارية في صحائف مولانا
السلطان الملك الأشرف برسباي خلد الله ملكه على مستمرة الدوام الشهور
والأعوام فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه ومضاف إلى
ذلك فائض الزيت والجوالي اللهم من فضل هذا الخير وكان سبب فيه جازه الجنة
والنعيم ومن غيره أو نقصه جازه العذاب الأليم في الدنيا والآخرة)) .
[/size]
عدل سابقا من قبل eng!neero في الأربعاء أبريل 07, 2010 8:13 pm عدل 3 مرات