خروج منتخب الشباب من بطولة كأس العالم بالخسارة أمام كوستاريكا كان خروجا منطقيا وواردا، وقبل مواجهة هذا الفريق الضعيف.. لكنه تأجل قليلا بعد الفوز على إيطاليا بسبب «حفلات الكذب والنفاق الفنى التى نصبت» وهو ما يثير قضية باتت ملحة وأهم وأخطر من مجرد هزيمة فريق فى مباراة لكرة القدم.
إنها تلك الحفلات التى يعزف فيها المنافقون ألحانهم عند الفوز حتى لو كان المستوى ضعيفا، وهم أنفسهم الذين يعزفون ألحانهم الجنائزية عند الخسارة حتى لو كان المستوى جيدا.. ثم أنها فى جميع الأحوال رياضة، لا تستحق كل هذا العزف إعجابا أو لطما على الخدود؟!
لكن أهم دروس الخروج هو أنك تستطيع أن تلعب بعشوائية بعض الوقت وتفوز فى بعض الأحيان، ولكنك لا تستطيع أن تلعب بعشوائية كل الوقت وتفوز بكل المباريات.
هكذا خسر منتخب الشباب أمام كوستاريكا فى دور الستة عشر لكأس العالم.. وكنا حذرنا من العشوائية والفردية عقب الفوز على إيطاليا، وأكدنا أن «الفوز إنجاز بلا أداء».
على الرغم من أجواء الاحتفالية وخروج محللون وفضائيون وصحفيون بإشادات ووصف المستوى الذى ظهر به الفريق أمام إيطاليا بأنه رائع وعظيم فى واحدة من حملات «التهجيص» المعتادة التى يركب فيها هؤلاء وأمثالهم الموجة، تماما كما يمتطى السائح الأجنبى ظهر الجمل ويميل ويترنح ويمسك بأى شىء خوفا من السقوط، فيضحك الجمال موحيا بأنه يضحك إعجابا ببراعته فى السيطرة؟!
كان وصفنا وتقييمنا للأداء بأنه عشوائى وفردى يوم الفوز على ترينيداد وتوباجو وعلى إيطاليا وقبل ذلك يوم الهزيمة من باراجواى،
كان وصفا صادقا ودقيقا للمستوى الفنى للفريق.
فقد دامت العشوائية أمام كوستاريكا وهى واحدة من أضعف فرق البطولة.. أو من الفرق الضعيفة.
وهو ما أكده مصطفى جلال الذى شارك فى الشوط الثانى فى التليفزيون عقب المباراة عندما قال: «لم نكن نعلم ما علينا فعله أمام كوستاريكا».؟!
إنها نفس الأخطاء تكررت على الرغم من التنبيه إليها. لا يوجد خط وسط، والأداء كله عبارة عن هرولة ورد فعل وجرى وراء الكرة وجرى بها وجرى منها.
والكرات العرضية تبدو ممنوعة أو غير دقيقة. والمهاجم الواحد «غلطة البطولة كلها». فعندما تلعب منتخبات كبرى مثل فرنسا والبرتغال أو غيرهما بمهاجم واحد فإن ذلك يرجع لقدرة لاعبى الوسط على التقدم للهجوم والمساندة وعلى تحقيق زيادة عددية فى الدفاع أيضا، واللعب بمهاجم واحد لا يعنى اختيارا دفاعيا كما أوضحنا قبل المباراة، لكنه يكون غلطة كبرى، حين يكون الوسط عاجزا عن التكتل وعن بناء الهجمات والمساندة فى الهجوم. وهو ما دفع منتخب الشباب كله إلى إرسال الكرات الطويلة إلى دفاع كوستاريكا أملا أن تضل طريقها إلى رأس مهاجمنا الوحيد محمد طلعت.
إلا أن جهازنا الفنى المختلف أثبت أنه يعيش فى الستينيات حين كان الإنجليز يهجمون بالكرات الطويلة.. وقد انتهى عصر الهجوم بـ«المنجنيق» منذ حروب الإغريق.. من المسئول عن تلك الخطة، ومن الذى عجز عن السيطرة على اللاعبين.. إنه يجب أن يحاسب.. ومن أسف أن الفردية التى يلعب بها المنتخب منذ البداية لم تجد عقلا واحدا يسيطر عليها.
وحالة الانفلات التى سجلها بوجى بسبابه لجهازه تجسد حالة الفوضى التى تحيط بالمنتخب.. إلا أن هذا كله لا يعنى أن نذبح اللاعبين، لأنها رياضة، ومن هؤلاء الشباب من نرشحه فورا للعب فى فرق أنديته الأولى.. وفى الرياضة تفوز فرق وتخسر فرق.
وفى البطولة خرجت منتخبات أفضل بكثير من منتخب مصر.. مثل إسبانيا وباراجواى وجنوب أفريقيا.
ومثل حالات الانتصار حين يقفز دائما أى عابر سبيل إلى سفينة الانتصار ليشارك الأبطال وأصحاب النصر فرحتهم بلا وجه حق.. وجدنا بعض المسئولين يقفزون هذه المرة من السفينة المحملة بخيبة الأمل، فى تصريحات لطيفة، منها قول سمير زاهر: «أنفقنا 20
مليون جنيه على الفريق».. فهل كان ينتظر أن يعد فريقا لبطولة بلا إنفاق. وما هى أوجه الإنفاق أصلا.. هل نعرف.. والأهم من ذلك ما هى مهمة اتحاد الكرة فى أية دولة..؟!
الأمر نفسه كرره جمال العقاد بتصريحه بعد الهزيمة الذى قال فيه: «وفرنا للاعبين لبن العصفور».. وهو أيضا كلام يوحى بتبرئة الساحة عن تهمة الهزيمة والخروج من البطولة، علما بأنه أمر طبيعى أن توفر الإدارة لفريق يلعب فى نهائيات كأس العالم كل ما يحتاجه.. لكنكم نسيتم على ما يبدو أن توفروا له العصفور شخصيا؟!
أى كلام والسلام.. أى كلام يتردد فى الانتصارات وفى الانكسارات.. أى كلام يتردد ولافتات وشعارات بالية تنشر وتنثر على الناس وعلى الرأى العام بلا ملل، وبلا احترام للعقول، وذلك باستخدام ما لا يجب أن يستخدم وفى غير موضعه، مثل إقحام روح أكتوبر فى يوم المباراة.. وهى مقارنة بين حرب دافع فيها مصريون عن بلادهم بالدم وبين لعب ولعبة يمثل فيها مصريون بلادهم باللعب.. ولكنها موجات التهريج و«جوقة المهرجين من بعض المعلقين وبعض الإعلاميين»؟!
.. متى نتغير.. متى يتوقف المهرجون عن تهريجهم؟!
المصدر: صحيفة الشروق.
لا يوجد حالياً أي تعليق