في يوم بدر، كان واحداً من قادة قريش الذين حملوا سيوفهم ليجهزوا على الإسلام. وكان حديد البصر، محكم التقدير، فندبه قومه ليستطلع لهم عدد المسلمين الذين خرجوا مع الرسول للقائهم، ولينظر إن كان لهم من ورائهم كمين أو مدد.. وانطلق عمير بن وهب الجمحيّ وجال بفرسه حول معسكر المسلمين، ثم رجع يقول لقومه:"إنهم ثلاثمائة رجل، يزيدون قليلاً أو ينقصون" وكان حدسه صحيحاً. فسألوه: هل وراءهم امتداد لهم؟؟ فأجابهم قائلاً: "لم أجد وراءهم شيئاً.. ولكن يا معشر قريش، رأيت المطايا تحمل الموت الناقع.. قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم.. والله ما أرى أن يُقتَل رجل منهم حتى يَقتُل رجلاً منكم، فإذا أصابوا منكم مثل عددهم، فما خير العيش بعد ذلك..؟؟ فانظروا رأيكم"..
وتأثر بقوله ورأيه نفر من زعماء قريش، وكادوا يجمعون رجالهم ويعودون إلى مكة بغير قتال، لولا أبي جهل الذي أفسد عليهم رأيهم، وأضرم في النفوس نار الحقد ونار الحرب التي كان هو أول قتلاها..
**
كان أهل مكة يلقبونه بـ "شيطان قريش".. ولقد أبلى شيطان قريش يوم بدر بلاء لم يغنِ قومه شيئاً، فعادت قوات قريش إلى مكة مهزومة مدحورة، وخلّف عمير بن وهب في المدينة بضعة منه إذ وقع ابنه في أيدي المسلمين أسيراً..
وذات يوم ضمّه مجلس ابن عمّه صفوان بن أميّة، وكان صفوان يمضغ أحقاده في مرارة قاتلة، فإن أباه أميّة بن خلف قد لقي مصرعه في بدر وسكنت عظامه القليب. جلس صفوان وعمير يجترّان أحقادهما. ويروي عروة بن الزبير حديثهما الطويل: "قال صفوان، وهو يذكر قتلى بدر: "والله ما في العيش بعدهم من خير..!" فقال له عمير: صدقت، ووالله لولا دين عليّ لا أملك قضاءه، وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت إلى محمد حتى أقتله، فإن لي عنده علة أعتلّ بها عليه فأٌقول قدمت من أجل ابني هذا الأسير." فاغتنمها صفوان وقال: "عليّ دينك.. أنا أقضيه عنك. وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا.." فقال له عمير: إذن فاكتم شأني وشأنك..."
ثم أمر عمير بسيفه فشحذ له وسمّ، ثم انطلق حتى قدم المدينة. وبينما عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر ويذكرون ما أكرمهم الله به، إذ نظر عمر فرأى عمير بن وهب، قد أناخ راحلته على باب المسجد، متوشحاً سيفه، فقال: "هذا عدو الله عمير بن وهب، والله ما جاء إلا لشرّ.. فهو الذي حرّش بيننا وحزرنا للقوم يوم بدر.." ثم دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففال: يا نبي الله هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحاً سيفه.." فقال صلى الله عليه وسلم: "أدخله عليّ.." فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلبّبه بها، وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار: "ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسوا عنده واحذروا عليه من هذا الخبيث، فإنه غير مأمون." ودخل به عمر على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو آخذ بحمّالة سيفه في عنقه فلما رآه الرسول قال: "دعه يا عمر.. ادنُ يا عمير.." فدنا عمير وقال: "انعموا صباحا (وهي تحيّة الجاهلية)" فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير، بالسلام.. تحية أهل الجنة. فما جاء بك يا عمير..؟؟ قال: "جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم." قال النبي: "فما بال السيف في عنقك..؟؟" قال عمير: "قبّحها الله من سيوف، وهل أغنت عنا شيئاً..؟!" قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "أصدقني يا عمير، ما الذي جئت له..؟" قال: "ما جئت إلا لذلك." فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "بل قعدت أنت وصفوان بن أميّة في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت "لولا دين عليّ، وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا"، فتحمّل لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني له، والله حائل بينك وبين ذلك..!!!" وعندئذ صاح عمير: "هذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله ما أنبأك به إلا الله... أشهد أن لا اله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله.. والحمد لله الذي هداني للإسلام.." فقال الرسول لأصحابه: "فقّهوا أخاكم في الدين وأقرؤوه القرآن، وأطلقوا أسيره....!!"
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "والذي نفسي بيده كان الخنزير أحبّ إليّ من عمير حين طلع علينا.. ولهو اليوم أحبّ إليّ من بعض ولدي"..!!
**
عرف عمير واجبه تجاه هذا الدين: أن يخدمه بقدر ما حاربه، وأن يدعو إليه، بقدر ما دعا ضدّه.. وهكذا أقبل على رسول الله ذات يوم، قائلا: "يا رسول الله. إني كنت جاهداً على إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله عز وجل، واني أحب أن تأذن لي فأقدم مكة، فأدعوهم إلى الله تعالى، وإلى رسوله، وإلى الإسلام، لعلّ الله يهديهم، وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم"..
في تلك الأيام، ومنذ فارق عمير مكة متوجها إلى المدينة، كان صفوان بن أمية الذي أغرى عميراً بالخروج لقتل الرسول، يمشي في شوارع مكة مختالاً، ويغشي مجالسها وندواتها فرحاً محبوراً. وكلما سأله قومه وإخوته عن سر فرحته ونشوته، وعظام أبيه لا تزال ساخنة في حظائر بدر، يفرك كفّيه في غرور ويقول للناس: "أبشروا بوقعة يأتيكم نبأها بعد أيام تنسيكم وقعة بدر"..! وكان يخرج إلى مشارف مكة كل صباح يسأل القوافل والركبان: "ألم يحدث بالمدينة أمر؟" وكانوا يجيبونه بما لا يحب ويرضى، فما منهم من أحد سمع أو رأى في المدينة حدثاً ذا بال. ولم ييأس صفوان.. بل ظلّ مثابراً على مساءلة الركبان، حتى لقي بعضهم يوماً فسأله:" ألم يحدث بالمدينة أمر..؟؟" فأجابه المسافر: "بلى حدث أمر عظيم..!!" وتهللت أسارير صفوان وفاضت نفسه بكل ما في الدنيا من بهجة وفرح.. وعاد يسأل الرجل في عجلة المشتاق: "ماذا حدث؟ اقصص عليّ".. وأجابه الرجل: "لقد أسلم عمير بن وهب، وهو هناك يتفقه في الدين، ويتعلم القرآن"..!!
**
وذات يوم بلغ المسافر داره.. وعاد عمير إلى مكة شاهراً سيفه، متحفزاً للقتال. ولقيه أول ما لقيه صفوان بن أمية. وما كاد يراه حتى هم بمهاجمته، ولكن السيف المتحفز في يد عمير ردّه إلى صوابه، فاكتفى بأن ألقى على سمع عمير بعض شتائمه ثم مضى لسبيله..
دخل عمير بن وهب مكة مسلما وقال: "والله لا أدع مكاناً جلست فيه بالكفر، إلا جلست فيه بالإيمان". وهكذا راح يعوّض ما فاته ويسابق الزمن إلى غايته، فيبشر بالإسلام ليلاً ونهاراً.. وفي بضعة أسابيع كان الذين هدوا إلى الإسلام على يد عمير يفوق عددهم كل تقدير يمكن أن يخطر ببال. وخرج عمير بهم إلى المدينة في موكب طويل مشرق.
وتأثر بقوله ورأيه نفر من زعماء قريش، وكادوا يجمعون رجالهم ويعودون إلى مكة بغير قتال، لولا أبي جهل الذي أفسد عليهم رأيهم، وأضرم في النفوس نار الحقد ونار الحرب التي كان هو أول قتلاها..
**
كان أهل مكة يلقبونه بـ "شيطان قريش".. ولقد أبلى شيطان قريش يوم بدر بلاء لم يغنِ قومه شيئاً، فعادت قوات قريش إلى مكة مهزومة مدحورة، وخلّف عمير بن وهب في المدينة بضعة منه إذ وقع ابنه في أيدي المسلمين أسيراً..
وذات يوم ضمّه مجلس ابن عمّه صفوان بن أميّة، وكان صفوان يمضغ أحقاده في مرارة قاتلة، فإن أباه أميّة بن خلف قد لقي مصرعه في بدر وسكنت عظامه القليب. جلس صفوان وعمير يجترّان أحقادهما. ويروي عروة بن الزبير حديثهما الطويل: "قال صفوان، وهو يذكر قتلى بدر: "والله ما في العيش بعدهم من خير..!" فقال له عمير: صدقت، ووالله لولا دين عليّ لا أملك قضاءه، وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت إلى محمد حتى أقتله، فإن لي عنده علة أعتلّ بها عليه فأٌقول قدمت من أجل ابني هذا الأسير." فاغتنمها صفوان وقال: "عليّ دينك.. أنا أقضيه عنك. وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا.." فقال له عمير: إذن فاكتم شأني وشأنك..."
ثم أمر عمير بسيفه فشحذ له وسمّ، ثم انطلق حتى قدم المدينة. وبينما عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر ويذكرون ما أكرمهم الله به، إذ نظر عمر فرأى عمير بن وهب، قد أناخ راحلته على باب المسجد، متوشحاً سيفه، فقال: "هذا عدو الله عمير بن وهب، والله ما جاء إلا لشرّ.. فهو الذي حرّش بيننا وحزرنا للقوم يوم بدر.." ثم دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففال: يا نبي الله هذا عدو الله عمير بن وهب قد جاء متوشحاً سيفه.." فقال صلى الله عليه وسلم: "أدخله عليّ.." فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلبّبه بها، وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار: "ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسوا عنده واحذروا عليه من هذا الخبيث، فإنه غير مأمون." ودخل به عمر على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو آخذ بحمّالة سيفه في عنقه فلما رآه الرسول قال: "دعه يا عمر.. ادنُ يا عمير.." فدنا عمير وقال: "انعموا صباحا (وهي تحيّة الجاهلية)" فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير، بالسلام.. تحية أهل الجنة. فما جاء بك يا عمير..؟؟ قال: "جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم." قال النبي: "فما بال السيف في عنقك..؟؟" قال عمير: "قبّحها الله من سيوف، وهل أغنت عنا شيئاً..؟!" قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "أصدقني يا عمير، ما الذي جئت له..؟" قال: "ما جئت إلا لذلك." فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "بل قعدت أنت وصفوان بن أميّة في الحجر فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت "لولا دين عليّ، وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدا"، فتحمّل لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني له، والله حائل بينك وبين ذلك..!!!" وعندئذ صاح عمير: "هذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله ما أنبأك به إلا الله... أشهد أن لا اله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله.. والحمد لله الذي هداني للإسلام.." فقال الرسول لأصحابه: "فقّهوا أخاكم في الدين وأقرؤوه القرآن، وأطلقوا أسيره....!!"
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "والذي نفسي بيده كان الخنزير أحبّ إليّ من عمير حين طلع علينا.. ولهو اليوم أحبّ إليّ من بعض ولدي"..!!
**
عرف عمير واجبه تجاه هذا الدين: أن يخدمه بقدر ما حاربه، وأن يدعو إليه، بقدر ما دعا ضدّه.. وهكذا أقبل على رسول الله ذات يوم، قائلا: "يا رسول الله. إني كنت جاهداً على إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله عز وجل، واني أحب أن تأذن لي فأقدم مكة، فأدعوهم إلى الله تعالى، وإلى رسوله، وإلى الإسلام، لعلّ الله يهديهم، وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم"..
في تلك الأيام، ومنذ فارق عمير مكة متوجها إلى المدينة، كان صفوان بن أمية الذي أغرى عميراً بالخروج لقتل الرسول، يمشي في شوارع مكة مختالاً، ويغشي مجالسها وندواتها فرحاً محبوراً. وكلما سأله قومه وإخوته عن سر فرحته ونشوته، وعظام أبيه لا تزال ساخنة في حظائر بدر، يفرك كفّيه في غرور ويقول للناس: "أبشروا بوقعة يأتيكم نبأها بعد أيام تنسيكم وقعة بدر"..! وكان يخرج إلى مشارف مكة كل صباح يسأل القوافل والركبان: "ألم يحدث بالمدينة أمر؟" وكانوا يجيبونه بما لا يحب ويرضى، فما منهم من أحد سمع أو رأى في المدينة حدثاً ذا بال. ولم ييأس صفوان.. بل ظلّ مثابراً على مساءلة الركبان، حتى لقي بعضهم يوماً فسأله:" ألم يحدث بالمدينة أمر..؟؟" فأجابه المسافر: "بلى حدث أمر عظيم..!!" وتهللت أسارير صفوان وفاضت نفسه بكل ما في الدنيا من بهجة وفرح.. وعاد يسأل الرجل في عجلة المشتاق: "ماذا حدث؟ اقصص عليّ".. وأجابه الرجل: "لقد أسلم عمير بن وهب، وهو هناك يتفقه في الدين، ويتعلم القرآن"..!!
**
وذات يوم بلغ المسافر داره.. وعاد عمير إلى مكة شاهراً سيفه، متحفزاً للقتال. ولقيه أول ما لقيه صفوان بن أمية. وما كاد يراه حتى هم بمهاجمته، ولكن السيف المتحفز في يد عمير ردّه إلى صوابه، فاكتفى بأن ألقى على سمع عمير بعض شتائمه ثم مضى لسبيله..
دخل عمير بن وهب مكة مسلما وقال: "والله لا أدع مكاناً جلست فيه بالكفر، إلا جلست فيه بالإيمان". وهكذا راح يعوّض ما فاته ويسابق الزمن إلى غايته، فيبشر بالإسلام ليلاً ونهاراً.. وفي بضعة أسابيع كان الذين هدوا إلى الإسلام على يد عمير يفوق عددهم كل تقدير يمكن أن يخطر ببال. وخرج عمير بهم إلى المدينة في موكب طويل مشرق.
**
وفي يوم فتح مكة لم ينس عمير صاحبه وقريبه صفوان بن أمية فراح إليه يناشده الإسلام ويدعوه إليه بعد أن لم يبق شك في صدق الرسول، وصدق الرسالة. بيد أن صفوان كان قد شدّ رحاله صوب جدّة ليبحر منها إلى اليمن. واشتدّ إشفاق عمير على صفوان، وصمم على أن يستردّه من يد الشيطان بكل وسيلة. فذهب مسرعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: "يا نبيّ الله إن صفوان بن أميّة سيّد قومه، وقد خرج هارباً منك ليقذف نفسه في البحر فأمّنه".
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هو آمن." قال عمير لرسول الله: " فأعطني آية يعرف بها أمانك"، فأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم عمامته التي دخل فيها مكة.
فخرج بها عمير حتى أدرك صفوان وهو يريد أن يركب البحر فقال: "يا صفوان، فداك أبي وأمي.. الله الله في نفسك أن تهلكها.. هذا أمان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جئتك به.." قال له صفوان: "ويحك، اغرب عني فلا تكلمني". قال: "أي صفوان..فداك أبي وأمي، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الناس، وأبرّ الناس ، وأحلم الناس، وخير الانس.. عزّه عزّك، وشرفه شرفك.." قال: "إني أخاف على نفسي.." قال: "هو أحلم من ذاك وأكرم.." فرجع معه حتى وقف به على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال صفوان للنبي صلى الله عليه وسلم: "إن هذا يزعم أنك أمّنتني.." قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "صدق.." قال صفوان: "فاجعلني فيه بالخيار شهرين.." قال صلى الله عليه وسلم: "أنت بالخيار أربعة أشهر". وفيما بعد أسلم صفوان.
وسعد عمير بإسلامه أيّما سعادة.. وواصل مسيرته المباركة إلى الله، متبعا أثر الرسول العظيم الذي هدى الله به الناس من الضلالة وأخرجهم من الظلمات إلى
وفي يوم فتح مكة لم ينس عمير صاحبه وقريبه صفوان بن أمية فراح إليه يناشده الإسلام ويدعوه إليه بعد أن لم يبق شك في صدق الرسول، وصدق الرسالة. بيد أن صفوان كان قد شدّ رحاله صوب جدّة ليبحر منها إلى اليمن. واشتدّ إشفاق عمير على صفوان، وصمم على أن يستردّه من يد الشيطان بكل وسيلة. فذهب مسرعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: "يا نبيّ الله إن صفوان بن أميّة سيّد قومه، وقد خرج هارباً منك ليقذف نفسه في البحر فأمّنه".
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هو آمن." قال عمير لرسول الله: " فأعطني آية يعرف بها أمانك"، فأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم عمامته التي دخل فيها مكة.
فخرج بها عمير حتى أدرك صفوان وهو يريد أن يركب البحر فقال: "يا صفوان، فداك أبي وأمي.. الله الله في نفسك أن تهلكها.. هذا أمان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جئتك به.." قال له صفوان: "ويحك، اغرب عني فلا تكلمني". قال: "أي صفوان..فداك أبي وأمي، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الناس، وأبرّ الناس ، وأحلم الناس، وخير الانس.. عزّه عزّك، وشرفه شرفك.." قال: "إني أخاف على نفسي.." قال: "هو أحلم من ذاك وأكرم.." فرجع معه حتى وقف به على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال صفوان للنبي صلى الله عليه وسلم: "إن هذا يزعم أنك أمّنتني.." قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "صدق.." قال صفوان: "فاجعلني فيه بالخيار شهرين.." قال صلى الله عليه وسلم: "أنت بالخيار أربعة أشهر". وفيما بعد أسلم صفوان.
وسعد عمير بإسلامه أيّما سعادة.. وواصل مسيرته المباركة إلى الله، متبعا أثر الرسول العظيم الذي هدى الله به الناس من الضلالة وأخرجهم من الظلمات إلى