الاحتبـاس الحـراري
عندما تبدأ النهاية
ما يجعلنا في مشكلة ليس هو ما نجهله، بل ما نحن واثقون من معرفته وفي الحقيقة نحن نجهله
-مارك توين-
*******
منذ ظهور الإنسان على الأرض وهو يتعامل مع الطبيعة وكأنه مالكها الوحيد، يقطع الغابات ويقتل الحيوانات ويسمم منابع المياه ويعيث فسادا في أماكن مختلفة من الأرض. في الواقع تقبلت الطبيعة هذه الألعاب الصغيرة التي لم تؤثر فيها كثيراً، فهي قادرة دائما على إصلاح ما تخربه يد الدمار البشري. ولكن، مع بدء الثورة الصناعية في أوروبا، أصبح الإنسان يدمر أكثر من قدرة الطبيعة على الإصلاح، وهنا بدأت المشكلة
*******
أسماء كثيرة لعدو واحد
يقول كارل ساخان عالم الفلك الأشهر: إذا كان لديك كرة كبيرة عليها طلاء، فإن نسبة سمك ذلك الطلاء مع حجم الكرة، سيكون نفس النسبة بين سمك الغلاف الجوي مع حجم الكرة الأرضية
الغلاف الجوي رقيق جدا بالنسبة لحجم الكرة الأرضية، وهو ضعيف جدا لدرجة أن الإنسان قادر على تغيير تركيبه الكيمائي. منذ فجر التاريخ والإشعاع الشمسي يأتي من الفضاء على هيئة موجات ضوئية، بعض هذه الموجات الضوئية يعاد إرسالها مرة أخرى إلى الفضاء لأنها انعكست من الغلاف الجوي للأرض على هيئة أشعة تحت حمراء، وبعض هذه الأشعة تحت الحمراء يحتفظ بها الغلاف الجوي نفسه ويمنع رجوعها إلى الفضاء، بل ويتسرّب منها بعض الأشعة إلى الأرض. وهذا شيء جيد لأنه نظام طبيعي يحافظ على درجة حرارة الأرض واستقرار الطبيعة، فبدون هذه الأشعة التي تعود إلى الأرض فإن درجة حرارة الأرض ستكون 20 تحت الصفر، ولكن مع هذه الأشعة تحت الحمراء تبقى درجة الحرارة مستقرة عند حدود معينة تتغير مع تغير المكان
ولكن المشكلة أن الطبقة الرقيقة للغلاف الجوي أصبحت أكثر سمكا نتيجة للملوثات العالمية التي تطلقها المصانع والمداخن والسيارات كل ثانية، ولذا تحتجز كمية أكبر من الأشعة تحت الحمراء في الغلاف الجوي نتيجة السمك الإضافي للغلاف الجوي، وهذا يعني زيادة متوسط درجات الحرارة، وهذه الكمية تزيد كل عام نتيجة زيادة التلوث وكمية ثاني أكسيد الكربون، هذا هو التفسير التقليدي لما يطلق عليه اسم ظاهرة
Global Warming
أو: الاحتباس الحراري
*******
عندما تبدأ النهاية
أول من فتح مجال الاهتمام بهذه القضية هو "روجر ريفيل" الذي اقترح قياس كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وقد لاحظ أن معدلات ارتفاع ثاني أكسيد الكربون في زيادة مستمرة، صحيح أنها تتأرجح بين الزيادة والنقصان، ولكن المعدل العام في ارتفاع مستمر، وقد لاحظ أيضا أن الأرض تقوم بعملية شهيق وزفير كل عام، فلو نظرنا إلى خريطة العالم، لوجدنا أن معظم اليابسة مركزة في الجزء الشمالي من الأرض، أي على شمال خط الاستواء، وهذا يعني أيضا أن معظم الأرض المزروعة تتركز في الجزء الشمالي من الأرض، لذا وعندما يكون الجزء الشمالي مواجها للشمس كما في الربيع والصيف، تتنفس المزروعات في الجزء الشمالي ثاني أكسيد الكربون وتخرج الأكسجين، ولكن عندما يحدث العكس ويبتعد الجزء الشمالي عن الشمس في الشتاء والخريف، تسقط الأوراق ولا تقوم المزروعات بمهمتها على أكمل وجه، هذه عملية تنظيف ذاتية في الغلاف الجوي، ولكن عملية التنظيف لم تعد قادرة على تنظيف كل كميات ثاني أكسيد الكربون
لتعرف ماذا يحدث للعالم وللغلاف الجوي، ربما يمكنك إلقاء نظرة على جبل "كليمنجارو" أعلى قمة في إفريقيا شمال شرق تنزانيا، منذ ثلاثين عاما كان الجليد يغطي قمة الجبل بالكامل، الآن يمكنك أن ترى بقايا من الثلج الأبيض بين الحين والآخر، بعد سنوات قليلة من الآن لن يكون هناك أي جليد، وهذا ما يحدث بالفعل كل يوم لقمم كثيرة حول العالم، انهيارات جليدية ثم ذوبان تام لقمم الجبال
*******
عالم مجنون جدا
العلاقة معقدة بين نسبة ثاني أكسيد الكربون وارتفاع درجة الحرارة، ولكنها منطبقة تماما، كلما ارتفع حد ثاني أكسيد الكربون حدث احتباس حراري، ومنذ 650 ألف عام لم يحدث أن زادت نسبة ثاني أكسيد الكربون عن 300 جزء لكل مليون من تركيب الغلاف الجوي، وهذه الأيام نسبة ثاني أكسيد الكربون أعلى من هذه النسبة بعشرات الأضعاف، وسترتفع أكثر في خلال الخمسين عاما المقبلة، وستزداد معها ظاهرة الاحتباس الحراري، ماذا ستكون النتيجة برأيك؟.. ربما يمكنك الطهي على أشعة الشمس دون أي وسائل مساعدة
والاحتباس الحراري يجعل الطبيعة أكثر جنونا، فهو يحدث تبخيرا أكثر من المعتاد في المحيطات مما يكون سحباً أكثر وأضخم، وهو أيضا يقوم بتبخير الرطوبة من التربة. في الصين كانت إحدى المقاطعات تعاني من فيضانات رهيبة، وبجانبها مقاطعات تعاني من جفاف مريع! والسبب أن الاحتباس الحراري لا يزيد فقط من كمية الأمطار التي تصب على اليابسة، بل يعيد توزيع أماكن المطر على اليابسة، والعلماء يقدرون أن الجفاف سيصيب كثيرا من المناطق حول العالم، وخصوصا في إفريقيا، وتحديدا لكل المناطق المتاخمة لمنطقة الصحراء الكبرى. فمثلاً بحيرة تشاد كانت أحد أكبر البحيرات في العالم كله، في السنوات القليلة الماضية أخذ منسوب البحيرة في التناقص، حتى أصبحت الآن جافة تماما
المنطقة الأكثر ضررا في العالم هي منطقة القطب الجليدي الشمالي، هناك تقريبا 225 يوما في السنة تصبح هذه المنطقة شديدة البرودة، ولكن هذه النسبة تناقصت اليوم إلى 75 يوما نتيجة قدوم الربيع مبكرا والخريف متأخرا، ومنذ عام 1970 حدثت ثلاثة تناقصات ضخمة في سمك واتساع رقعة الجليد في القطب الشمالي، حتى وصلت رقعة الجليد إلى 40% من حجم الرقعة قبل 40 سنة فقط، وخلال 50 سنة أخرى ستختفي طبقة الجليد بالكامل خلال فصل الصيف، هل تدرك ما معنى هذا؟
*******
الأرض بدون القطب الشمالي
90% من أشعة الشمس ترتد على الجليد مثل المرآة تماما، ولكن عندما تصطدم بالمحيط فإن 90% منها تمتصه المياه لتصبح أسخن، وهذا يعني ذوبان أكثر للجليد، والرقعة القطبية تحمي الأرض من ارتفاع الحرارة نتيجة عمل المرآة السابق ذكره، النتيجة الأولية هي غرق كل المخلوقات القطبية التي تعتمد على الجليد لتواجدها، منذ سنوات وجد العلماء عشرات من الدببة القطبية غرقى، لأنهم لم يجدوا رقع جليدية يرتاحوا عليها، أما التأثير التالي لهذا الذوبان فهو قاتل تماما
*******
الغلاف الجوي للأرض يشبه بالضبط ماكينة عملاقة لإعادة توزيع درجات الحرارة بين القطبين وخط الاستواء، وذلك من خلال تيارات الرياح والتيارات المحيطية، ومن خلال هذا يكون متوسط درجة حرارة العالم 20 درجة مئوية، ولكن إذا ارتفعت درجة الحرارة بمقدار 5 درجات مئوية بالنسبة للمناخ العالمي، فهذا يعني ارتفاع مناخ المنطقة الاستوائية بدرجة واحدة والمنطقة القطبية بمقدار 12 درجة مئوية، وهذا يعني أن كل التيارات المحيطية وتيارات الريح ستتبدد وستبدأ تيارات جديدة كليا وأكثر قسوة، وسيتغير معها المناخ العالمي بالكامل
*******
في رسالة قادمة سنحاول التعرف على التغييرات البيئية الهائلة والتي ستجعل من كوكبنا عالما مجنونا لم نتوقعه أبدا
*******