ما هو واجبنا كمسلمين؟
واجبنا نحن المسلمين كافة، ملوكاً ورؤساء، قادة وأغنياء، على كل المسلمين الذين يملكون الوسائل، أن يسرعوا ويسارعوا، أن يهجروا النوم والراحة والكسل والدَّعَةَ، أن لا يضيعوا ساعة من أوقاتهم، أن يبذلوا كل جهودهم لإنشاء المدارس والمعاهد، التي لا تقف عند حد إعطاء شهادات معاشية أو رتب علمية وظيفية، بل عليهم أن ينشئوا المدارس والمعاهد التي تُخّرج العلماء الأبطال، والقادة الحكماء، والمربين النجباء، والمسلمين الذين يَرَوْنَ الدنيا مطية للآخرة، وأنه نِعْمَ المال الصالح للعبد الصالح، وأن المؤمنَ القويَّ خيرٌ عند الله وأحبّ إليه من المؤمن الضعيف.
نحن بحاجة أيها الإخوة، إلى مثل هذه المدارس المؤمنة، تخرج علماء نرى آثارهم في مجتمعاتنا الإسلامية التي قست عليها الظروف. نحن بحاجة إلى علماء عاملين، بعد أن افتقدناهم ردحاً طويلاً من الزمن، جهل الناس بفقدهم كلّ شيء، فضاعتِ الدنيا، وفقدوا الدين، ولا يفتقد الناس علماءهم إلا في حالتين:
آ - جهل بالدين. ب- وعدوان عليه.
فإذا كان الجهل كان العلماء ألسنة الحق التي تكتشف الشبهات، وتزيح المفتريات وإذا كان العدوان كانوا ألسنة الصدق التي تضع الأمور في مواضعها، فلا ضعيف يظلم، ولا فقير يهان، ولا شعب يضطهد، ولا طاغية يتأله. ثم يكونون من وراء ذلك الحكمة التي ترد للمجنون عقله، والقوة التي تكبح في الطاغية طيشه، وبذلك فَهُمْ كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس.
فهيا أيها الإخوة، شمروا عن سواعدكم جميعاً، لتأسيس مدارس تنتج الدعاة والمربين، والمرشدين البناءين، يدعون إلى الإسلام وبكل اللغات، لنرى آثارهم؛ إسلاماً قوياً، وإيماناً محمدياً، وجهاداً صدِّيقياً، وفتوحاً عمرياً، وعلوماً مأمونية، وفتوحات كفتح القسطنطينية، وإنقاذاً للمسلمين من غزوات التتر والصليبيين.
حين يفقد الناس علماءهم
وثقوا أيها الإخوة المؤمنون، وهذا ما أثبتته الحقيقة وأيده التاريخ، أن المسلمين حين يفقدون علماءهم وورثة نبيهم، تضيع معاني الدين وتبقى مظاهره. تصبح العبادة عادة، والصلاة حركات، والصوم جوعاً، والخشوع تماوتاً. حينئذ تصبح حقوق الناس مهدورةً، وأباطيل الظالمين مقدسةً، وتختل الموازين، فالمعروف يصبح منكراً، والمنكر يصير معروفاً. حينئذ يكثر اللصوص باسم حماية الضعفاء، وقطاع الطرق، باسم مقاومة الظالمين، ولا يُزْهِقُ مثلَ هذه الأباطيل، ويظهرُ جمالَ الإسلام وحيويته مثلُ علماءَ ربانيين محمديين، عرفوا الدين بحقيقته، لهم قوة الإيمان وعزيمته الفولاذية ما يستطيعون بها اجتياز كل عقبة، والتغلب على كل أزمة، لا تخيفهم في سبيل نشر الإسلام وبنائه الأخطار، ولا توهن عزائمهم المغريات، متمثلين دائماً قدوتَهم وإمامَهم خاتَمَ النبيين صلى الله عليه وسلم، حين أتت قريش إلى عمه أبي طالب، يهددون حياة النبي الكريم بالإعدام، ويعرضون عليه كل أنواع المغريات، يعرضون المال... الزعامة.. الرئاسة... أجمل الفتيات... كل ذلك ليكف عن الدعوة، وتبليغ الرسالة، ونشر الإسلام، وإلا فالموت والهلاك له، ولكل من يناصره، ويضيف عمه رجاءه إلى عروض قريش أيضاً، ليقبل النبي الكريم حرصاً على حياته... وإذا بجواب النبي عليه أفضل الصلاة والتسليم، يمثل عقيدة المؤمن الراسخة، وإيمانه القوي المتين، وجهاده وتضحيته الخالصة: ((والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي، على أن أرجع عن هذا الأمر، لا أرجع حتى يفرق بين رأسي وجسدي))(سيرة ابن هشام 1/265-266.).
أيها الإخوة المسلمون: لقد مرت عبر التاريخ بالمسلمين أخطار وأزمات.. من اكتساح تتري، وهجوم صليبي، وتسميمٍ للعقيدة الإسلامية من قبل أعدائها، ما يهون أمامها أزمةُ الإسلام والمسلمين في عصرنا الحاضر، وكان المخرج والمنقذ من الأزمات ظهورَ رجال تخرجوا على أيدي العلماء العاملين، والمربين المخلصين، والوارثين المحمديين، فكان بدخول هؤلاء الرجال ساحة المعركة والتقائهم مع العدو، كان النصر والغلبة والمجد، وإذا بالعسر ينقلب يسراً، والضعف قوة، والهزيمة نصراً، واليأس رجاء وأملاً، قديماً بشر النبي الكريم قائلاً: ((خير أمتي أولها وآخرها وفي وسطها الكدر))(أخرجه الحكيم الترمذي في نوادره عن أبي الدرداء.). وقال أيضاً: ((أمتي مباركة لا يُدرى أولها خير أو آخرها خير))(رواه ابن عساكر عن عمرو بن عثمان مرسلاً.).
أيها الإخوة، فإلى تأسيس مدارس ومعاهد نموذجية لتخريج الدعاة، الذين يعملون على تجديد الإيمان، ونشر الإسلام في العالم، وإلا فالخطر محدق محيط بالمسلمين، وبالجنس البشري أجمع.
من المسئول...؟
أيها الإخوة: لابد لتحقيق هذه الغاية النبيلة، من اهتمام كل مسلم ببذل طاقته وقدرته؛ من سلطة، وعلم، وثروة، وغيرها، لتحقيق هذا الهدف العظيم، وباتحاد القوى يهون ويخف الحمل الثقيل، وبالتعاون يتيسر الأمر العسير. وأول من تتجه نحوه هذه المسؤولية علماء المسلمين وحكامهم... وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((صنفان من أمتي إذا صلحوا صلحت الأمة، والأمراء والفقهاء...))(رواه أبو نعيم في الحلية وابن النجار عن ابن عباس.)، وقال أيضاً: ((الإسلام والسلطان أخوان توأمان لا يصلح واحد منهما إلا لصاحبه، فالإسلام أس والسلطان حارس، وما لا أس له يُهدم، وما لا حارس له ضائع))(رواه الديلمي من ابن عباس.). فإلى المسلمين عامة أوجه نداء القرآن، نحو إنتاج ورثة الأنبياء، لإسعاد العالم والإنسان، حيث يقول الله تعالى: {انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون**(سورة التوبة: [الآية: 41].).
فمن العلم والعلماء بدأت النعمة والرحمة، وبهم أيضاً تنتهي الأزمة وتزول المحنة، وبتوجيههم يتحقق المجتمع الفاضل، الذي يصبو إليه كل مصلح ومنقذ، وبهم يعرف كل إنسان حده فيقف عنده، وتسود العدالة، ويعم السلام، وترفرف رايات الوحدة الإنسانية، ويسعد الناس، ويعيشون في الجنة.
فيا أخوتي المؤمنين، وأخص منكم أصحاب السلطة والحكام، والثقافة والعلم، شمروا عن سواعدكم، وعودوا إلى شخصيتكم الإسلامية السماوية، التي أكملها الله لكم، وربط بها خيركم وفلاحكم... عودوا إلى تثبيت دولة الإسلام على الأرض، وأقيموها فيما بينكم من جميع جوانبها، تأتلف قلوبكم، ويقوى سلطانكم، وتنفذ كلمتكم، وتصان عزتكم، أنقذوا بالدين يا إخوتي العالم من الجمر الذي يتقلب فيه، كما أنقذه من قبل أسلافكم. لا تخشوا يا إخوتي صعوبات في طريقكم، أو إعراض الناس عنكم، فالعالم هو العالم لا يزال ينقاد بطبعه إلى الخير متى وجد إليه سبيلاً، وسواد الناس الأعظم مهيأ نفسياً لقبول الحكم الإسلامي وتوجيهاته. فإلى وسائل الإعلام والتوجيه، ولا نعني بوسائل التوجيه الإذاعة والصحف والتلفاز فحسب، بل نعني التوجيه العام في التربية والتعليم..، وتَبَنّي الحكومات لهذا التوجيه كفكرة تستند إليها في تصرفاتها الداخلية والخارجية، وثقوا يا إخوتي أنه لو ظفر الإسلام كدعوة فكرية بعشر معشار ما يناله الباطلُ، لعاد المد الإسلامي المبارك، يسحق كل عقبة كافرة؛ من استعمار مادي، وفكري، وكل فكرة باطلة، فالتوجيه بوسائله المعلومة إذا تكاتف مع خريجي معاهد الإيمان، كان فيه اللطمة القاضية للاستعمار، وعملائه، وأذنابه..
إن التوجيه الذي يقوم به العلماء المحمديون، دعامةُ اليقظة الجبارة للمسلمين، في الالتفاف حول العقيدة الإسلامية، وبالتالي التفاف الشعب حول حكومته، التي تبني العقيدة كاتجاه فكري عام، وليس هذا الالتفاف عاطفياً، بل هو عقيدة وتدين، فهذا الدين والتدين يكفي أن يرتفع بالأمة كلها إلى معارج الفضائل والكمال، وعلى كل المستويات الداخلية والخارجية، وعندها سيصيح الناس: الله أكبر ما أجمل الإسلام! الله أكبر ما أحلى تعاليم الدين! الله أكبر ما أسعدنا برسالة السماء!
في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولما كان الدين هو كل شيء تطبيقاً، وتنفيذاً، وتثقيفاً، أُسنِد القضاءُ إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المدينة المنورة، وكانت آنذاك أكبر مدينة في الجزيرة العربية، ومكث عمر في محكمته سنة كاملة، لم يختصم إليه اثنان، حتى مَلَّ مكانه، فطلب من أبي بكر إعفاءه من القضاء، وسأله أبو بكر عن السبب، فأجابه ابن الخطاب، مقرراً أثر الدين لدى معتنقيه، بقوله: ( يا خليفة رسول الله! لا حاجة بي عند قوم مؤمنين، عرف كل منهم حده فوقف عنده، إذا مرض أحدهم عادوه، وإذا افتقر أعانوه، وإذا احتاج ساعدوه، لا حاجة بي يا أمير المؤمنين عند قوم دينهم النصيحة، خلقهم القرآن، عملهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففيم يختصمون؟).
أجل أيها الإخوة لماذا يختصمون، وبينهم كتاب الله ينفذون تعاليمه، ويطبقون ما فيه؟ لماذا يختصمون، وقد تعلموا وتثقفوا ثقافة القرآن؟ فبالله عليكم هل من أمة أو حضارة من قديم الزمن حتى يومنا هذا خلقت جماهير لا يختصم منها اثنان خلال سنة كاملة؟
أكانت طبائعهم غير طبائع البشر؟ أم أنهم لم يكن لديهم شيء يختصمون فيه؟ لا أيها الإخوة، لا هذا ولا ذاك، لكنهم كانوا في تربيتهم الإسلامية، وثقافتهم القرآنية، التي تلقوها ووعوها من مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم، مثلاً أعلى، وقدوة مثلى، وكان ذلك كافياً لينظم لهم كل أعمالهم، وليحل سائر مشاكلهم، على أسس متكاملة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وعندها لا حاجة بينهم لقضاء عمر أو غير عمر...
فيا إخوة الإيمان، لقد آن لمدارس الإيمان أن تفتح وتخرج دعاة محمديين، يعلمون، ويقفون، ويرغبون،... لقد آن للمسلمين أن تخشع قلوبُهم لذكر الله وما نزل من الحق، فيعودوا لدينهم فيتبعوه، وإلى مبادئه فيفهموها على حقيقتها، دون زيغ عنها ولا ضلال، وإلى دينهم فيتخذوه مصدر ثقافتهم ودستورهم، وإلى أحكامه ومبادئه وحدوده فيطبقوها ويقيموها.. لا تواكل ولا تراجع... بل عمل صادق مخلص، وأمل من الله كبير... وعندها فالسعادة في الدنيا قبل الآخرة، ولن يجرُؤَ على المسلمين، ولا على دينهم، كبيرٌ أو صغير.. فإلى العمل المتواصل أيها الإخوة.. إلى الجهاد المستمر؛ بالنفس والمال، والذي له مد، وليس له جذر، والله يقول: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون**(سورة التوبة: [الآية: 105].)، ويقول: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين**(سورة آل عمران: [الآية: 139].)، وصدق الله العظيم. منقول
والحمد لله رب العالمين
اللهم ردنا الى ديننا ردا عزيزا جميلا
واجبنا نحن المسلمين كافة، ملوكاً ورؤساء، قادة وأغنياء، على كل المسلمين الذين يملكون الوسائل، أن يسرعوا ويسارعوا، أن يهجروا النوم والراحة والكسل والدَّعَةَ، أن لا يضيعوا ساعة من أوقاتهم، أن يبذلوا كل جهودهم لإنشاء المدارس والمعاهد، التي لا تقف عند حد إعطاء شهادات معاشية أو رتب علمية وظيفية، بل عليهم أن ينشئوا المدارس والمعاهد التي تُخّرج العلماء الأبطال، والقادة الحكماء، والمربين النجباء، والمسلمين الذين يَرَوْنَ الدنيا مطية للآخرة، وأنه نِعْمَ المال الصالح للعبد الصالح، وأن المؤمنَ القويَّ خيرٌ عند الله وأحبّ إليه من المؤمن الضعيف.
نحن بحاجة أيها الإخوة، إلى مثل هذه المدارس المؤمنة، تخرج علماء نرى آثارهم في مجتمعاتنا الإسلامية التي قست عليها الظروف. نحن بحاجة إلى علماء عاملين، بعد أن افتقدناهم ردحاً طويلاً من الزمن، جهل الناس بفقدهم كلّ شيء، فضاعتِ الدنيا، وفقدوا الدين، ولا يفتقد الناس علماءهم إلا في حالتين:
آ - جهل بالدين. ب- وعدوان عليه.
فإذا كان الجهل كان العلماء ألسنة الحق التي تكتشف الشبهات، وتزيح المفتريات وإذا كان العدوان كانوا ألسنة الصدق التي تضع الأمور في مواضعها، فلا ضعيف يظلم، ولا فقير يهان، ولا شعب يضطهد، ولا طاغية يتأله. ثم يكونون من وراء ذلك الحكمة التي ترد للمجنون عقله، والقوة التي تكبح في الطاغية طيشه، وبذلك فَهُمْ كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس.
فهيا أيها الإخوة، شمروا عن سواعدكم جميعاً، لتأسيس مدارس تنتج الدعاة والمربين، والمرشدين البناءين، يدعون إلى الإسلام وبكل اللغات، لنرى آثارهم؛ إسلاماً قوياً، وإيماناً محمدياً، وجهاداً صدِّيقياً، وفتوحاً عمرياً، وعلوماً مأمونية، وفتوحات كفتح القسطنطينية، وإنقاذاً للمسلمين من غزوات التتر والصليبيين.
حين يفقد الناس علماءهم
وثقوا أيها الإخوة المؤمنون، وهذا ما أثبتته الحقيقة وأيده التاريخ، أن المسلمين حين يفقدون علماءهم وورثة نبيهم، تضيع معاني الدين وتبقى مظاهره. تصبح العبادة عادة، والصلاة حركات، والصوم جوعاً، والخشوع تماوتاً. حينئذ تصبح حقوق الناس مهدورةً، وأباطيل الظالمين مقدسةً، وتختل الموازين، فالمعروف يصبح منكراً، والمنكر يصير معروفاً. حينئذ يكثر اللصوص باسم حماية الضعفاء، وقطاع الطرق، باسم مقاومة الظالمين، ولا يُزْهِقُ مثلَ هذه الأباطيل، ويظهرُ جمالَ الإسلام وحيويته مثلُ علماءَ ربانيين محمديين، عرفوا الدين بحقيقته، لهم قوة الإيمان وعزيمته الفولاذية ما يستطيعون بها اجتياز كل عقبة، والتغلب على كل أزمة، لا تخيفهم في سبيل نشر الإسلام وبنائه الأخطار، ولا توهن عزائمهم المغريات، متمثلين دائماً قدوتَهم وإمامَهم خاتَمَ النبيين صلى الله عليه وسلم، حين أتت قريش إلى عمه أبي طالب، يهددون حياة النبي الكريم بالإعدام، ويعرضون عليه كل أنواع المغريات، يعرضون المال... الزعامة.. الرئاسة... أجمل الفتيات... كل ذلك ليكف عن الدعوة، وتبليغ الرسالة، ونشر الإسلام، وإلا فالموت والهلاك له، ولكل من يناصره، ويضيف عمه رجاءه إلى عروض قريش أيضاً، ليقبل النبي الكريم حرصاً على حياته... وإذا بجواب النبي عليه أفضل الصلاة والتسليم، يمثل عقيدة المؤمن الراسخة، وإيمانه القوي المتين، وجهاده وتضحيته الخالصة: ((والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي، على أن أرجع عن هذا الأمر، لا أرجع حتى يفرق بين رأسي وجسدي))(سيرة ابن هشام 1/265-266.).
أيها الإخوة المسلمون: لقد مرت عبر التاريخ بالمسلمين أخطار وأزمات.. من اكتساح تتري، وهجوم صليبي، وتسميمٍ للعقيدة الإسلامية من قبل أعدائها، ما يهون أمامها أزمةُ الإسلام والمسلمين في عصرنا الحاضر، وكان المخرج والمنقذ من الأزمات ظهورَ رجال تخرجوا على أيدي العلماء العاملين، والمربين المخلصين، والوارثين المحمديين، فكان بدخول هؤلاء الرجال ساحة المعركة والتقائهم مع العدو، كان النصر والغلبة والمجد، وإذا بالعسر ينقلب يسراً، والضعف قوة، والهزيمة نصراً، واليأس رجاء وأملاً، قديماً بشر النبي الكريم قائلاً: ((خير أمتي أولها وآخرها وفي وسطها الكدر))(أخرجه الحكيم الترمذي في نوادره عن أبي الدرداء.). وقال أيضاً: ((أمتي مباركة لا يُدرى أولها خير أو آخرها خير))(رواه ابن عساكر عن عمرو بن عثمان مرسلاً.).
أيها الإخوة، فإلى تأسيس مدارس ومعاهد نموذجية لتخريج الدعاة، الذين يعملون على تجديد الإيمان، ونشر الإسلام في العالم، وإلا فالخطر محدق محيط بالمسلمين، وبالجنس البشري أجمع.
من المسئول...؟
أيها الإخوة: لابد لتحقيق هذه الغاية النبيلة، من اهتمام كل مسلم ببذل طاقته وقدرته؛ من سلطة، وعلم، وثروة، وغيرها، لتحقيق هذا الهدف العظيم، وباتحاد القوى يهون ويخف الحمل الثقيل، وبالتعاون يتيسر الأمر العسير. وأول من تتجه نحوه هذه المسؤولية علماء المسلمين وحكامهم... وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((صنفان من أمتي إذا صلحوا صلحت الأمة، والأمراء والفقهاء...))(رواه أبو نعيم في الحلية وابن النجار عن ابن عباس.)، وقال أيضاً: ((الإسلام والسلطان أخوان توأمان لا يصلح واحد منهما إلا لصاحبه، فالإسلام أس والسلطان حارس، وما لا أس له يُهدم، وما لا حارس له ضائع))(رواه الديلمي من ابن عباس.). فإلى المسلمين عامة أوجه نداء القرآن، نحو إنتاج ورثة الأنبياء، لإسعاد العالم والإنسان، حيث يقول الله تعالى: {انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون**(سورة التوبة: [الآية: 41].).
فمن العلم والعلماء بدأت النعمة والرحمة، وبهم أيضاً تنتهي الأزمة وتزول المحنة، وبتوجيههم يتحقق المجتمع الفاضل، الذي يصبو إليه كل مصلح ومنقذ، وبهم يعرف كل إنسان حده فيقف عنده، وتسود العدالة، ويعم السلام، وترفرف رايات الوحدة الإنسانية، ويسعد الناس، ويعيشون في الجنة.
فيا أخوتي المؤمنين، وأخص منكم أصحاب السلطة والحكام، والثقافة والعلم، شمروا عن سواعدكم، وعودوا إلى شخصيتكم الإسلامية السماوية، التي أكملها الله لكم، وربط بها خيركم وفلاحكم... عودوا إلى تثبيت دولة الإسلام على الأرض، وأقيموها فيما بينكم من جميع جوانبها، تأتلف قلوبكم، ويقوى سلطانكم، وتنفذ كلمتكم، وتصان عزتكم، أنقذوا بالدين يا إخوتي العالم من الجمر الذي يتقلب فيه، كما أنقذه من قبل أسلافكم. لا تخشوا يا إخوتي صعوبات في طريقكم، أو إعراض الناس عنكم، فالعالم هو العالم لا يزال ينقاد بطبعه إلى الخير متى وجد إليه سبيلاً، وسواد الناس الأعظم مهيأ نفسياً لقبول الحكم الإسلامي وتوجيهاته. فإلى وسائل الإعلام والتوجيه، ولا نعني بوسائل التوجيه الإذاعة والصحف والتلفاز فحسب، بل نعني التوجيه العام في التربية والتعليم..، وتَبَنّي الحكومات لهذا التوجيه كفكرة تستند إليها في تصرفاتها الداخلية والخارجية، وثقوا يا إخوتي أنه لو ظفر الإسلام كدعوة فكرية بعشر معشار ما يناله الباطلُ، لعاد المد الإسلامي المبارك، يسحق كل عقبة كافرة؛ من استعمار مادي، وفكري، وكل فكرة باطلة، فالتوجيه بوسائله المعلومة إذا تكاتف مع خريجي معاهد الإيمان، كان فيه اللطمة القاضية للاستعمار، وعملائه، وأذنابه..
إن التوجيه الذي يقوم به العلماء المحمديون، دعامةُ اليقظة الجبارة للمسلمين، في الالتفاف حول العقيدة الإسلامية، وبالتالي التفاف الشعب حول حكومته، التي تبني العقيدة كاتجاه فكري عام، وليس هذا الالتفاف عاطفياً، بل هو عقيدة وتدين، فهذا الدين والتدين يكفي أن يرتفع بالأمة كلها إلى معارج الفضائل والكمال، وعلى كل المستويات الداخلية والخارجية، وعندها سيصيح الناس: الله أكبر ما أجمل الإسلام! الله أكبر ما أحلى تعاليم الدين! الله أكبر ما أسعدنا برسالة السماء!
في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولما كان الدين هو كل شيء تطبيقاً، وتنفيذاً، وتثقيفاً، أُسنِد القضاءُ إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المدينة المنورة، وكانت آنذاك أكبر مدينة في الجزيرة العربية، ومكث عمر في محكمته سنة كاملة، لم يختصم إليه اثنان، حتى مَلَّ مكانه، فطلب من أبي بكر إعفاءه من القضاء، وسأله أبو بكر عن السبب، فأجابه ابن الخطاب، مقرراً أثر الدين لدى معتنقيه، بقوله: ( يا خليفة رسول الله! لا حاجة بي عند قوم مؤمنين، عرف كل منهم حده فوقف عنده، إذا مرض أحدهم عادوه، وإذا افتقر أعانوه، وإذا احتاج ساعدوه، لا حاجة بي يا أمير المؤمنين عند قوم دينهم النصيحة، خلقهم القرآن، عملهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففيم يختصمون؟).
أجل أيها الإخوة لماذا يختصمون، وبينهم كتاب الله ينفذون تعاليمه، ويطبقون ما فيه؟ لماذا يختصمون، وقد تعلموا وتثقفوا ثقافة القرآن؟ فبالله عليكم هل من أمة أو حضارة من قديم الزمن حتى يومنا هذا خلقت جماهير لا يختصم منها اثنان خلال سنة كاملة؟
أكانت طبائعهم غير طبائع البشر؟ أم أنهم لم يكن لديهم شيء يختصمون فيه؟ لا أيها الإخوة، لا هذا ولا ذاك، لكنهم كانوا في تربيتهم الإسلامية، وثقافتهم القرآنية، التي تلقوها ووعوها من مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم، مثلاً أعلى، وقدوة مثلى، وكان ذلك كافياً لينظم لهم كل أعمالهم، وليحل سائر مشاكلهم، على أسس متكاملة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وعندها لا حاجة بينهم لقضاء عمر أو غير عمر...
فيا إخوة الإيمان، لقد آن لمدارس الإيمان أن تفتح وتخرج دعاة محمديين، يعلمون، ويقفون، ويرغبون،... لقد آن للمسلمين أن تخشع قلوبُهم لذكر الله وما نزل من الحق، فيعودوا لدينهم فيتبعوه، وإلى مبادئه فيفهموها على حقيقتها، دون زيغ عنها ولا ضلال، وإلى دينهم فيتخذوه مصدر ثقافتهم ودستورهم، وإلى أحكامه ومبادئه وحدوده فيطبقوها ويقيموها.. لا تواكل ولا تراجع... بل عمل صادق مخلص، وأمل من الله كبير... وعندها فالسعادة في الدنيا قبل الآخرة، ولن يجرُؤَ على المسلمين، ولا على دينهم، كبيرٌ أو صغير.. فإلى العمل المتواصل أيها الإخوة.. إلى الجهاد المستمر؛ بالنفس والمال، والذي له مد، وليس له جذر، والله يقول: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون**(سورة التوبة: [الآية: 105].)، ويقول: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين**(سورة آل عمران: [الآية: 139].)، وصدق الله العظيم. منقول
والحمد لله رب العالمين
اللهم ردنا الى ديننا ردا عزيزا جميلا