الفأر يحلّ المشكلة
سار الخروف في المزرعة يلهو ويلعب ويتنقّل من مكان إلى مكان، جارّاً وراءه حبله المربوط بعنقه، وبينما هو في حالته تلك، وإذا بالحبل يعلق في جذع شجرة.
شدّ الخروف الحبل فلم يستطع الإفلات، وصار كلّما دار حول الجذع محاولاً تخليص نفسه، قصر الحبل، وازدادت الأمور تعقيداً.. صاح الخروف مستغيثاً:
- ماع.. ماع.. أيّها الحصان.. أيّتها البقرة.. أيّها الكلب الصديق.. تعالوا إليّ.. أنقذوني.
جاء الحصان وأمسك بالحبل، وصار يشدّ. أقبل الكلب ينبح ملبيّاً النداء، وصار يشدّ. قدمت البقرة متثاقلة، متسائلة:
- ماذا حلّ بالخروف؟.
وعندما عرفت الخبر، بادرت إلى تقديم مساعدتها وصارت تشد.
كلّ الحيوانات القوية لم تبخل ببذل الجهد.. لكن دون فائدة.
خرج الفأر الصغير من وكره مستطلعاً الخبر.. قال:
- ما هذه الجلبة؟.
قالوا:
- إنّ الحبل المربوط إلى عنق الخروف قد لُفَّ حول جذع الشجرة، ولم تستطع عضلاتنا القوية قطعه.
أجاب الفأر:
- أنا أحلّ المشكلة.
قهقه الجميع باستخفاف:
- ها.. ها.. ها.. أنتَ؟ ..أنتَ؟..
ابتسم الفأر، ثم قفز إلى الحبل يقرضه بأسنانه.
وبعد لحظات كان الخروف يسير برفقة الحصان والبقرة والكلب، عائداً إلى المزرعة
من يسأل يتعلّم!
دائاً أحبّ أن أسأل؛ أحبّ أن أعرف وأن أستفهم عن كلّ شيءٍ تقع عيني عليه..
أميّ تقول:
- أنت كثير الفضول، أسئلتك لاتنتهي!.
جدّتي تقول أيضاً وهي تصحّح لها:
- لاتقولي: إنّه فضولي، قولي: إنه يريد أن يتعلّم، ومن لايسأل لايتعلّم!
ذلك الصباح ، كنت ذاهباً إلى دار جدّي، إنّها في الطرف البعيد من المدينة..
الحافلة التي ركبتها كانت مزدحمة، وهناك رجل يشاركني في المقعد، كان يلاصقني تماماً، وعلى الرغم من أنّ التدخين ممنوع في الحافلة؛ لكنّه كان يدخّن!!
لفافة طويلة من التّبغ في فمه، ينفث منها دخاناً كريهاً ومزعجاً، وضعت كفّي على أنفي، وأدرت وجهي تفادياً لرائحتها المنفّرة.. والرجل مستمرّ في نفث الدّخان غير مبالٍ بشيءٍ.
شعرت بالغيظ، تململت في جلستي ، تمنّيت أن يصعد مفتّش الحافلات في تلك اللحظة، وان يعاقبه بغرامة مالية، كانت هناك ورقة في صدر حافلة الركاّب تنبّه إلى ذلك ، غير أنّ الرجل لم يكن يلتفت إليها، فقط كان ينفث دخان لفافته مثل قاطرة قديمة في محطّة!
لقد اسرعت بالنزول قبل أن أصل موقفي الذي يوصلني إلى دار جدّي، كنت أريد أن أتخلّص من هذا الرجل المدخّن، ومن هذه الحافلة المزعجة المزدحمة، أريد أن أستنشق هواءً نظيفاً لايعكّره شيء!..
وفي دار جدّي، أحسست بالسعادة، طالعتني نسيمات ناعمة، هبّت لطيفة هادئة، صافحتْ وجهي وأنا تحت عريشة العنب الممتدّة من البوابة حتى المصطبة الحجريّة..
قلت لجدّي مستفهماً:
- ما حكاية هذه اللفافة التي يتعلّق بها بعض الناس يا جدّي؟!
ابتسم بهدوء، ثم ربّت على كتفي قائلاً:
- هذه الّلفافة لها حكاية طريفة.. بدأت في إحدى المدن الصّغيرة، مدينة جميلة، هادئة، تقع في وسط سهول وجبال وغابات، هواؤها منعش ، وجوّها لطيف، أهلها يعملون بهمّة ونشاط، وجوههم مورّدة تنطق بالصحّة والعافية، ,اجسامهم قوية. ينهضون مع خيوط الفجر الأولى ، ينطلقون إلى حقولهم العامرة، وأعمالهم المزدهرة..
جاءهم ذات يوم تاجر غريب.. يبدو أنّه انتهز فرصة ازدحام النّاس في السّوق، كان يحمل كيساً من التّبغ.
وفي ساحة السّوق، صنع لنفسه لفافة تبغ غليظة، ثمّ أشعلها، وبدأ يدخّن أمام دهشة الناس، كان ينادي:
- تعالوا، هذا تبغ، له مذاقٌ لذيذٌ، تعالوا..
دخّنوا، وستدخل الفرحة إلى قلوبكم، انظروا، إنّني أصنع سُحُباً صغيرة تتوّج رأسي.. هل تستطيعون أن تفعلوا ذلك مثلي!..
لم يكن أحد من أهل المدينة الصغيرة. يعرف هذا التبغ!.. لم يكن هناك مَنْ رأى هذه النبتة الغريبة!!.
اقترب بعض الشبّان ، تناولوا اللفافة المشتعلة، قلّدوا الرجل التاجر، غير أنّهم كانوا ينفثون دخاناًو.. يسعلون.. أح.. أح.. أح.. يضعون أكفهم على صدورهم وهم يسعلون أح.. أح.. أح.. ثم ينصرفون متذمّرين.. ساخطين، وهم يقولون:
- لم يبق إلاّ أن ندفع نقوداً حتى نختنق بها!!..
...................
بُحّ صوتُ التاجر وهوينادي:
-سأبيع هذا التبغ بالثمن الذي اشتريته به، لن أربح شيئاً.. تعالوا.. دخّنوا، تعالوا.. دخّنوا!
ولم يأتِ مشترٍ واحد؛ والكيس في مكانه، لم ينقص شيئاً!.
لكنّ التاجر لم ييأس .. فقد أخذ يصرخ هذه المرّة، وهو يحلف بأغلظ الأيمان:
- منْ يدخّنُ منْ تبغي لايعضّه كلب!.
من يدخّن منْ تبغي لايسرق بيته سارق..
من يدخّن مِنْ تبغي لايشيخ أبداً..
أنا أقسم على ذلك.. أقسم.. أقسم!!
وحين سمع الناس ما سمعوا، ورأوا أنّ التّاجر يمعن في امتداح بضاعته، أقبلوا عليه يشترون، ويشترون حتى فرغ الكيس، وانصرف التاجر ظافراً!..
.........
مرّت سنة كاملة، ورجال المدينة الجميلة قد تغيّروا.. بُحّت أصواتهم ، وشحبت وجوههم، فترت هّمتهم، وقلّ نشاطهم ، كانوا يسعلون إذا مشوا، ويسعلون إذا وقفوا، يلهثون في الطرقات، هه.. هه.. آه.. هه.. لقد تغيّروا كثيراً!!
وأبصر واحد من أهل المدينة ، ذلك التاجر في السّوق، فأمسك به يجرّه من ثوبه، كان يريد أن يفضحه لأنّه خدع الناس، وحلف أيماناً كاذبة.. قال له:
- أيّها التاجر الظالم، أيّ أذى ألحقته بنا!!
انظر حولك؟!.. ثم كيف تقسم وأنت تكذب!!
قال التاجر بخبث:
- لم يكن قسمي كذباً .. أتعرف لماذا لايعضّ الكلب مدخّناً لأنّه سيكون متوكئاً على عصا. والكلب يخاف من العصا وحامل العصا... ولماذا لايسرق داره سارق لأنّ سعال المدخّن لاينقطع طوال الليل، فيظنّ أنه مستيقظ، أمّا لماذا لايشيخ، فالمدخّن لن يعيش حتى الشيخوخة!!
.........
...............
وابتسم جدّي، حين وصل إلى ختام حكايته، ابتسمتُ مثله ابتسامةً واثقةً، وقلتُ بحزم:
-مَنْ لايدخّنُ يظلَّ قوي الجسم، لايعضّه كلبٌ، ولايجترئُ عليه سارقٌ ولا يشيخ!. بلْ يحيا عمره مبتهجاً سعيداً..
شدّ على يدي ، وقال:
- ومَنْ يسألْ يستفدْ ويتعلّم!..
سار الخروف في المزرعة يلهو ويلعب ويتنقّل من مكان إلى مكان، جارّاً وراءه حبله المربوط بعنقه، وبينما هو في حالته تلك، وإذا بالحبل يعلق في جذع شجرة.
شدّ الخروف الحبل فلم يستطع الإفلات، وصار كلّما دار حول الجذع محاولاً تخليص نفسه، قصر الحبل، وازدادت الأمور تعقيداً.. صاح الخروف مستغيثاً:
- ماع.. ماع.. أيّها الحصان.. أيّتها البقرة.. أيّها الكلب الصديق.. تعالوا إليّ.. أنقذوني.
جاء الحصان وأمسك بالحبل، وصار يشدّ. أقبل الكلب ينبح ملبيّاً النداء، وصار يشدّ. قدمت البقرة متثاقلة، متسائلة:
- ماذا حلّ بالخروف؟.
وعندما عرفت الخبر، بادرت إلى تقديم مساعدتها وصارت تشد.
كلّ الحيوانات القوية لم تبخل ببذل الجهد.. لكن دون فائدة.
خرج الفأر الصغير من وكره مستطلعاً الخبر.. قال:
- ما هذه الجلبة؟.
قالوا:
- إنّ الحبل المربوط إلى عنق الخروف قد لُفَّ حول جذع الشجرة، ولم تستطع عضلاتنا القوية قطعه.
أجاب الفأر:
- أنا أحلّ المشكلة.
قهقه الجميع باستخفاف:
- ها.. ها.. ها.. أنتَ؟ ..أنتَ؟..
ابتسم الفأر، ثم قفز إلى الحبل يقرضه بأسنانه.
وبعد لحظات كان الخروف يسير برفقة الحصان والبقرة والكلب، عائداً إلى المزرعة
من يسأل يتعلّم!
دائاً أحبّ أن أسأل؛ أحبّ أن أعرف وأن أستفهم عن كلّ شيءٍ تقع عيني عليه..
أميّ تقول:
- أنت كثير الفضول، أسئلتك لاتنتهي!.
جدّتي تقول أيضاً وهي تصحّح لها:
- لاتقولي: إنّه فضولي، قولي: إنه يريد أن يتعلّم، ومن لايسأل لايتعلّم!
ذلك الصباح ، كنت ذاهباً إلى دار جدّي، إنّها في الطرف البعيد من المدينة..
الحافلة التي ركبتها كانت مزدحمة، وهناك رجل يشاركني في المقعد، كان يلاصقني تماماً، وعلى الرغم من أنّ التدخين ممنوع في الحافلة؛ لكنّه كان يدخّن!!
لفافة طويلة من التّبغ في فمه، ينفث منها دخاناً كريهاً ومزعجاً، وضعت كفّي على أنفي، وأدرت وجهي تفادياً لرائحتها المنفّرة.. والرجل مستمرّ في نفث الدّخان غير مبالٍ بشيءٍ.
شعرت بالغيظ، تململت في جلستي ، تمنّيت أن يصعد مفتّش الحافلات في تلك اللحظة، وان يعاقبه بغرامة مالية، كانت هناك ورقة في صدر حافلة الركاّب تنبّه إلى ذلك ، غير أنّ الرجل لم يكن يلتفت إليها، فقط كان ينفث دخان لفافته مثل قاطرة قديمة في محطّة!
لقد اسرعت بالنزول قبل أن أصل موقفي الذي يوصلني إلى دار جدّي، كنت أريد أن أتخلّص من هذا الرجل المدخّن، ومن هذه الحافلة المزعجة المزدحمة، أريد أن أستنشق هواءً نظيفاً لايعكّره شيء!..
وفي دار جدّي، أحسست بالسعادة، طالعتني نسيمات ناعمة، هبّت لطيفة هادئة، صافحتْ وجهي وأنا تحت عريشة العنب الممتدّة من البوابة حتى المصطبة الحجريّة..
قلت لجدّي مستفهماً:
- ما حكاية هذه اللفافة التي يتعلّق بها بعض الناس يا جدّي؟!
ابتسم بهدوء، ثم ربّت على كتفي قائلاً:
- هذه الّلفافة لها حكاية طريفة.. بدأت في إحدى المدن الصّغيرة، مدينة جميلة، هادئة، تقع في وسط سهول وجبال وغابات، هواؤها منعش ، وجوّها لطيف، أهلها يعملون بهمّة ونشاط، وجوههم مورّدة تنطق بالصحّة والعافية، ,اجسامهم قوية. ينهضون مع خيوط الفجر الأولى ، ينطلقون إلى حقولهم العامرة، وأعمالهم المزدهرة..
جاءهم ذات يوم تاجر غريب.. يبدو أنّه انتهز فرصة ازدحام النّاس في السّوق، كان يحمل كيساً من التّبغ.
وفي ساحة السّوق، صنع لنفسه لفافة تبغ غليظة، ثمّ أشعلها، وبدأ يدخّن أمام دهشة الناس، كان ينادي:
- تعالوا، هذا تبغ، له مذاقٌ لذيذٌ، تعالوا..
دخّنوا، وستدخل الفرحة إلى قلوبكم، انظروا، إنّني أصنع سُحُباً صغيرة تتوّج رأسي.. هل تستطيعون أن تفعلوا ذلك مثلي!..
لم يكن أحد من أهل المدينة الصغيرة. يعرف هذا التبغ!.. لم يكن هناك مَنْ رأى هذه النبتة الغريبة!!.
اقترب بعض الشبّان ، تناولوا اللفافة المشتعلة، قلّدوا الرجل التاجر، غير أنّهم كانوا ينفثون دخاناًو.. يسعلون.. أح.. أح.. أح.. يضعون أكفهم على صدورهم وهم يسعلون أح.. أح.. أح.. ثم ينصرفون متذمّرين.. ساخطين، وهم يقولون:
- لم يبق إلاّ أن ندفع نقوداً حتى نختنق بها!!..
...................
بُحّ صوتُ التاجر وهوينادي:
-سأبيع هذا التبغ بالثمن الذي اشتريته به، لن أربح شيئاً.. تعالوا.. دخّنوا، تعالوا.. دخّنوا!
ولم يأتِ مشترٍ واحد؛ والكيس في مكانه، لم ينقص شيئاً!.
لكنّ التاجر لم ييأس .. فقد أخذ يصرخ هذه المرّة، وهو يحلف بأغلظ الأيمان:
- منْ يدخّنُ منْ تبغي لايعضّه كلب!.
من يدخّن منْ تبغي لايسرق بيته سارق..
من يدخّن مِنْ تبغي لايشيخ أبداً..
أنا أقسم على ذلك.. أقسم.. أقسم!!
وحين سمع الناس ما سمعوا، ورأوا أنّ التّاجر يمعن في امتداح بضاعته، أقبلوا عليه يشترون، ويشترون حتى فرغ الكيس، وانصرف التاجر ظافراً!..
.........
مرّت سنة كاملة، ورجال المدينة الجميلة قد تغيّروا.. بُحّت أصواتهم ، وشحبت وجوههم، فترت هّمتهم، وقلّ نشاطهم ، كانوا يسعلون إذا مشوا، ويسعلون إذا وقفوا، يلهثون في الطرقات، هه.. هه.. آه.. هه.. لقد تغيّروا كثيراً!!
وأبصر واحد من أهل المدينة ، ذلك التاجر في السّوق، فأمسك به يجرّه من ثوبه، كان يريد أن يفضحه لأنّه خدع الناس، وحلف أيماناً كاذبة.. قال له:
- أيّها التاجر الظالم، أيّ أذى ألحقته بنا!!
انظر حولك؟!.. ثم كيف تقسم وأنت تكذب!!
قال التاجر بخبث:
- لم يكن قسمي كذباً .. أتعرف لماذا لايعضّ الكلب مدخّناً لأنّه سيكون متوكئاً على عصا. والكلب يخاف من العصا وحامل العصا... ولماذا لايسرق داره سارق لأنّ سعال المدخّن لاينقطع طوال الليل، فيظنّ أنه مستيقظ، أمّا لماذا لايشيخ، فالمدخّن لن يعيش حتى الشيخوخة!!
.........
...............
وابتسم جدّي، حين وصل إلى ختام حكايته، ابتسمتُ مثله ابتسامةً واثقةً، وقلتُ بحزم:
-مَنْ لايدخّنُ يظلَّ قوي الجسم، لايعضّه كلبٌ، ولايجترئُ عليه سارقٌ ولا يشيخ!. بلْ يحيا عمره مبتهجاً سعيداً..
شدّ على يدي ، وقال:
- ومَنْ يسألْ يستفدْ ويتعلّم!..