حفظ الجوارح.. يضمن الجنة
باسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حفظ الجوارح.. يضمن الجنة
الجوارح
هي التي تقوم بالقول والعمل، فهي – إذن – أدوات القيام بالعبودية لله تعالى، وترجمة الإيمان الذي يقر القلوب، وهذه الجوارح هي: اللسان، والسمع،والبصر، واليد، والرِجل، والفرج.
- معنى الجوارح:
يقول تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ) (الأنعام/ 60).
ويقول الشيخ الزحيلي: جرحتم، أي عملتم وكسبتم بالجوارح.. والجرح: الكسب، يطلق على الخير والشر، والاجتراح: فعل الشر خاصة، كما في قوله تعالى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ) (الجاثية/ 21).
معادلة الجوارح:
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة.
والضمان لا يتحقق إلا بالحفظ لهذه الجوارح، والتي من أبرزها الفرج واللسان، لذلك جاءت في هذا الحديث..
يقول الإمام المناوي: ("من يضمن": من الضمان بمعنى الوفاء بترك المعصية، فأطلق الضمان وأراد لازمه وهو أداء الحق الذي عليه، "لي ما بين لحييه" هما العظمان بجانبي الفم، وأراد بما بينهما اللسان، وما يتأتى به النطق وغيره، فيشمل سائر الأقوال والأكل والشرب وسائر ما يتأذى بالفم من الفعل، والنطق باللسان أصل كل مطلوب، "وما بين رجليه" أي الفرج، والمعنى: من أدى الحق الذي على لسانه من النطق بالواجب والصمت عما لا يعنيه، وأذى الحق الذي على فرجه من وضعه في الحلال وكفه عن الحرام، "أضمن" بالجزم جواب الشرط "له الجنة" أي دخوله إياها).
إذن فالشطر الأوّل من المعادلة هو حفظ الجوارح، والشطر الثاني الذي يترتب عليه هو ضمان الجنة.
المسؤولية في الحفظ:
يقول تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا) (الإسراء/ 36).
إنّ هذه الجوارح التي هي طوع أوامرنا في حقيقتها ليست ملكاً محضاً لنا، إنّما هي ملكية مؤقتة في دار الدنيا، ومالكها الحقيقي هو الله تعالى، ومن بدهيات الحقوق التي يتفق عليها كل الناس – على اختلاف مللهم ونحلهم – أنّه لا يجوز التصرف بالأمانة إلا بإذن من صاحبها ومالكها، وبما يراه هو لا ما يراه من أودع عنده تلك الأمانة، وكل تصرف بالأمانة بغير ما يريد مالكها فهو خيانة وظلم، ووضع الأمور بغير مكانها، وصاحب الأمانة لابدّ من أن يُسأل عنها يوماً من الأيام.
يقول سيد قطب – رحمه الله – في ظلاله:
(والأمانة العلمية التي يشيد بها الناس في العصر الحديث ليست سوى طرف من الأمانة العقلية القلبية التي يعلن القرآن تبعتها الكبرى، ويجعل الإنسان مسئولا عن سمعه وبصره وفؤاده، أمام واهب السمع والبصر والفؤاد.. إنّها أمانة الجوارح والحواس والعقل والقلب، أمانة يُسأل عنها صاحبها، وتُسأل عنها الجوارح والحواس والعقل والقلب جميعاً.. أمانة يرتعش الوجدان لدقتها وجسامتها كلما نطق اللسان بكلمة، وكلما روى الإنسان رواية، وكلما أصدر حكماً على شخص أو أمر أو حادثة).
- الطريق لحفظ الجوارح:
إنّ من رحمة الله سبحانه وتعالى، أنّه ما أمرنا بأمر إلا وبيَّن لنا سبلاً كثيرة لتطبيق هذا الأمر، ولم يتركنا هكذا من غير توجيه، فلما أمرنا بحفظ الجوارح، بين لنا وبين لنا رسوله صلى الله عليه وسلم طرقاً كثيرة لحفظ هذه الجوارح.. من أبرزها:
1- الشعور بالرقابة: قال تعالى في كتابه الكريم: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق/ 18)، فعندما يستحضر المسلم رقابة الله الدائمة عليه، وأنّه ما يتلفظ من لفظة إلا وهناك ملكٌ حاضرٌ يرقبه ويكتب كل ما يقوله إن خيراً فخير، أو شراً فشر، فإنّه لاشكّ يتردد كثيراً، قبل أن يتفوه بما يمكن أن يرديه في النار والعياذ بالله، وعندما يغيب عنه هذا الاستحضار لرقابة الله تكون المعصية، لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"، أي لا يقدم على معصية الزنى إلا حينما تغيب عنه رقابة الله تعالى، فالشعور بالرقابة هو أوّل الطريق لحفظ الجوارح.
2-الصمت: اللسان هو أخطر هذه الجوارح، فصمته أولى كثيراً من كلامه، إذا لم يكن في الكلام منفعة، أو كان من النوع الذي يغضب الرب سبحانه وتعالى،ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: ".. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت".
قال القرطبي: (معناه أنّ المصدق بالثواب والعقاب المترتبين على الكلام في الدار الآخرة لا يخلو من أمرين، إما أن يتكلّم بما يحصل له ثواباً أو خيراً فيغنم، أو يسكت عن شيء يجلب له عقاباً أو شراً فيسلم، وعليه فـ"أو" للتنويع والتقسيم، فيسن له الصمت عن المباح لأدائه إلى محرم أو مكروه، وبفرض خلوه عن ذلك فهو ضياع الوقت فيما لا يعنيه.
ويقول الإمام الغزالي: (ذلك أنّ خطر اللسان عظيم، وآفاته كثيرة، من نحو: كذب وغيبة ونميمة ورياء ونفاق، وفحش ومراء وتزكية نفس، وخوض في باطل، ومع ذلك فإنّ النفس تميل إليها، لأنها سباقة إلى اللسان، ولها حلاوة في القلب،وعليها بواعث من الطبع، والشيطان، فالخائض فيها قلما يقدر على أن يلزم لسانه فيطلقه فيما يحب، ويكفه عما لا يحب، ففي الخوض خطر، وفي الصمت سلامة).
وعند الحديث عن الصمت لابدّ من أن يكون واضحاً أنّ جميع هذه الأحاديث، وأقوال العلماء، إنما حثت على الصمت عن الخوض في الكلام الباطل، أو فيما يغضب الله تعالى أو ما يوصل إلى غضب الله، أمّا الصمت عن الحق، ونصرة المظلوم، والدعوة إلى الله تعالى، من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وحديث تتقرب فيه إلى زوجك وولدك ومَنْ تريد كسبه للدعوة فهو جريمة، وإثم يستحق العقوبة من الله تعالى، لأنّه تفريط في واجب أمر به سبحانه وتعالى.
3- تذكر الجنة: عن سهل بن سعد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة".
بقلم: الشيخ عبد الحميد البلالي
باسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حفظ الجوارح.. يضمن الجنة
الجوارح
هي التي تقوم بالقول والعمل، فهي – إذن – أدوات القيام بالعبودية لله تعالى، وترجمة الإيمان الذي يقر القلوب، وهذه الجوارح هي: اللسان، والسمع،والبصر، واليد، والرِجل، والفرج.
- معنى الجوارح:
يقول تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ) (الأنعام/ 60).
ويقول الشيخ الزحيلي: جرحتم، أي عملتم وكسبتم بالجوارح.. والجرح: الكسب، يطلق على الخير والشر، والاجتراح: فعل الشر خاصة، كما في قوله تعالى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ) (الجاثية/ 21).
معادلة الجوارح:
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة.
والضمان لا يتحقق إلا بالحفظ لهذه الجوارح، والتي من أبرزها الفرج واللسان، لذلك جاءت في هذا الحديث..
يقول الإمام المناوي: ("من يضمن": من الضمان بمعنى الوفاء بترك المعصية، فأطلق الضمان وأراد لازمه وهو أداء الحق الذي عليه، "لي ما بين لحييه" هما العظمان بجانبي الفم، وأراد بما بينهما اللسان، وما يتأتى به النطق وغيره، فيشمل سائر الأقوال والأكل والشرب وسائر ما يتأذى بالفم من الفعل، والنطق باللسان أصل كل مطلوب، "وما بين رجليه" أي الفرج، والمعنى: من أدى الحق الذي على لسانه من النطق بالواجب والصمت عما لا يعنيه، وأذى الحق الذي على فرجه من وضعه في الحلال وكفه عن الحرام، "أضمن" بالجزم جواب الشرط "له الجنة" أي دخوله إياها).
إذن فالشطر الأوّل من المعادلة هو حفظ الجوارح، والشطر الثاني الذي يترتب عليه هو ضمان الجنة.
المسؤولية في الحفظ:
يقول تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا) (الإسراء/ 36).
إنّ هذه الجوارح التي هي طوع أوامرنا في حقيقتها ليست ملكاً محضاً لنا، إنّما هي ملكية مؤقتة في دار الدنيا، ومالكها الحقيقي هو الله تعالى، ومن بدهيات الحقوق التي يتفق عليها كل الناس – على اختلاف مللهم ونحلهم – أنّه لا يجوز التصرف بالأمانة إلا بإذن من صاحبها ومالكها، وبما يراه هو لا ما يراه من أودع عنده تلك الأمانة، وكل تصرف بالأمانة بغير ما يريد مالكها فهو خيانة وظلم، ووضع الأمور بغير مكانها، وصاحب الأمانة لابدّ من أن يُسأل عنها يوماً من الأيام.
يقول سيد قطب – رحمه الله – في ظلاله:
(والأمانة العلمية التي يشيد بها الناس في العصر الحديث ليست سوى طرف من الأمانة العقلية القلبية التي يعلن القرآن تبعتها الكبرى، ويجعل الإنسان مسئولا عن سمعه وبصره وفؤاده، أمام واهب السمع والبصر والفؤاد.. إنّها أمانة الجوارح والحواس والعقل والقلب، أمانة يُسأل عنها صاحبها، وتُسأل عنها الجوارح والحواس والعقل والقلب جميعاً.. أمانة يرتعش الوجدان لدقتها وجسامتها كلما نطق اللسان بكلمة، وكلما روى الإنسان رواية، وكلما أصدر حكماً على شخص أو أمر أو حادثة).
- الطريق لحفظ الجوارح:
إنّ من رحمة الله سبحانه وتعالى، أنّه ما أمرنا بأمر إلا وبيَّن لنا سبلاً كثيرة لتطبيق هذا الأمر، ولم يتركنا هكذا من غير توجيه، فلما أمرنا بحفظ الجوارح، بين لنا وبين لنا رسوله صلى الله عليه وسلم طرقاً كثيرة لحفظ هذه الجوارح.. من أبرزها:
1- الشعور بالرقابة: قال تعالى في كتابه الكريم: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق/ 18)، فعندما يستحضر المسلم رقابة الله الدائمة عليه، وأنّه ما يتلفظ من لفظة إلا وهناك ملكٌ حاضرٌ يرقبه ويكتب كل ما يقوله إن خيراً فخير، أو شراً فشر، فإنّه لاشكّ يتردد كثيراً، قبل أن يتفوه بما يمكن أن يرديه في النار والعياذ بالله، وعندما يغيب عنه هذا الاستحضار لرقابة الله تكون المعصية، لذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"، أي لا يقدم على معصية الزنى إلا حينما تغيب عنه رقابة الله تعالى، فالشعور بالرقابة هو أوّل الطريق لحفظ الجوارح.
2-الصمت: اللسان هو أخطر هذه الجوارح، فصمته أولى كثيراً من كلامه، إذا لم يكن في الكلام منفعة، أو كان من النوع الذي يغضب الرب سبحانه وتعالى،ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: ".. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت".
قال القرطبي: (معناه أنّ المصدق بالثواب والعقاب المترتبين على الكلام في الدار الآخرة لا يخلو من أمرين، إما أن يتكلّم بما يحصل له ثواباً أو خيراً فيغنم، أو يسكت عن شيء يجلب له عقاباً أو شراً فيسلم، وعليه فـ"أو" للتنويع والتقسيم، فيسن له الصمت عن المباح لأدائه إلى محرم أو مكروه، وبفرض خلوه عن ذلك فهو ضياع الوقت فيما لا يعنيه.
ويقول الإمام الغزالي: (ذلك أنّ خطر اللسان عظيم، وآفاته كثيرة، من نحو: كذب وغيبة ونميمة ورياء ونفاق، وفحش ومراء وتزكية نفس، وخوض في باطل، ومع ذلك فإنّ النفس تميل إليها، لأنها سباقة إلى اللسان، ولها حلاوة في القلب،وعليها بواعث من الطبع، والشيطان، فالخائض فيها قلما يقدر على أن يلزم لسانه فيطلقه فيما يحب، ويكفه عما لا يحب، ففي الخوض خطر، وفي الصمت سلامة).
وعند الحديث عن الصمت لابدّ من أن يكون واضحاً أنّ جميع هذه الأحاديث، وأقوال العلماء، إنما حثت على الصمت عن الخوض في الكلام الباطل، أو فيما يغضب الله تعالى أو ما يوصل إلى غضب الله، أمّا الصمت عن الحق، ونصرة المظلوم، والدعوة إلى الله تعالى، من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وحديث تتقرب فيه إلى زوجك وولدك ومَنْ تريد كسبه للدعوة فهو جريمة، وإثم يستحق العقوبة من الله تعالى، لأنّه تفريط في واجب أمر به سبحانه وتعالى.
3- تذكر الجنة: عن سهل بن سعد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة".
بقلم: الشيخ عبد الحميد البلالي